طالبت تنسيقية “تقدم” إلى إقامة مناطق آمنة خالية من السلاح لحماية المدنيين في السودان ووقف الأعمال القتالية، إلا أن الاقتراح يواجه معارضة داخلية وتحذيرات من المخاطر المرتبطة بتدويل النزاع. تقرير: التغيير في ظل استمرار الحرب والانتهاكات المتواصلة في السودان، أصبح الحديث عن إنشاء مناطق آمنة للمدنيين أمرًا ضروريًا لا مفر منه. هذا الاقتراح الذي تقدمت به تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” يحظى بدعم بعض الأطراف، لكنه يواجه في الوقت نفسه معارضة شديدة من آخرين، الذين يستندون إلى تجارب سابقة فشلت في ضمان الأمان.
كما أكدت ريان رامري، المتحدثة السابقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قائلة: “لقد علمنا من التاريخ أن المناطق الآمنة نادرًا ما تكون آمنة”. في الآونة الأخيرة، قدمت تنسيقية “تقدم” اقتراحًا لإنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين في السودان، إلى جانب دعوة لوقف الأعمال العدائية ووقف الطيران بشكل عاجل.
صدر هذا التصريح عن رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية “تقدم”، عبد الله حمدوك، أثناء حديثه في معهد شاتام هاوس بالعاصمة البريطانية لندن. قال حمدوك إن فرض حظر جوي وإنشاء مناطق آمنة مع نشر قوات لحماية المدنيين في السودان يعد أمرًا بالغ الأهمية في الوقت الراهن. وأضاف حمدوك أن النزاع في السودان ينبغي أن يُحل من خلال عملية سلام شاملة، تتضمن مسارات متعددة تسير بالتوازي، وتشمل المفاوضات لوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى بدء عملية سياسية تركز على مستقبل الحكم وانتقال السلطة إلى المدنيين.
من جهته، صرح الأمين العام لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، الصديق الصادق المهدي، بأن النزاع الحالي في السودان قد تحول إلى حرب أهلية شاملة، مطالبًا بإنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين الذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة. وأكد المهدي على أهمية ضمان حماية المدنيين من خلال إنشاء تلك المناطق الآمنة وسط توقف الأعمال العدائية واستخدام الطيران. في نفس السياق، ذكر نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني وعضو الأمانة العامة لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية أن الإدعاء بانتهاء الحرب بشكل سريع يتعارض مع الواقع.
قال يوسف: “نحن لا ندعو إلى الأوهام، ولا توجد دلائل تشير إلى أن حرب 15 أبريل ستنتهي في القريب العاجل. من يزعمون أن الحرب ستنتهي بانتصار عسكري قريب يتجاهلون التاريخ السوداني في معالجة الحروب.” في الوقت الذي أفاد فيه تقرير صحفي بأن بريطانيا تخطط لتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي بشأن السودان يستند إلى توصيات الأمين العام للأمم المتحدة، يتضمن هذا المشروع آليات لضمان التزام الأطراف المتصارعة بحماية المدنيين وفقًا لاتفاق جدة. كما ناقشت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني الإجراءات التي ينبغي على بريطانيا اتخاذها، حيث ستتولى رئاسة مجلس الأمن في نوفمبر، لتعزيز حماية المدنيين وتحديد مناطق آمنة في السودان.
من ناحية أخرى، كان لعضو مجلس السيادة السوداني، إبراهيم جابر، وجهة نظر مختلفة، إذ أعلن عن رفضه مناقشة نشر قوات دولية لحماية المدنيين. جابر أكد أن سكان المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع لا يحتاجون إلى حماية من الجيش السوداني، بل يسعون إلى اللجوء إلى القوات المسلحة من أجل النجاة من الاعتداءات. وبيّن أن نشر قوات أممية في ظل وجود مليشيا الدعم السريع سيؤدي إلى تقوية وجودها بدلاً من حماية المدنيين. من الناحية القانونية، فإن أي قرار يتخذه مجلس الأمن حول المناطق الآمنة للمدنيين في السودان سيتأسس على القرار رقم “2417” الذي أصدره المجلس في عام 2018. ينص هذا القرار على منع تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب، كما يحظر منع إيصال المساعدات الإنسانية بشكل غير قانوني وحرمان المدنيين من المواد الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة.
من ناحيته، صرح الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني، نور الدين بابكر، في حديثه لـ”التغيير”، بأن قضية حماية المدنيين أصبحت من الأولويات منذ بداية النزاع قبل عام ونصف، حيث انتشرت الحرب إلى وسط السودان مما تسبب في نزوح مستمر للسكان المدنيين. وأكّد بابكر أن إنشاء مناطق آمنة خالية من السلاح سيكون أمرًا ضروريًا، خصوصًا مع احتمال استمرار الحرب لفترة طويلة. وأوضح أن الأمم المتحدة قد تبدأ في إنشاء مناطق آمنة خالية من الأسلحة لا تكون تحت سيطرة أي من الأطراف المتنازعة. أشار بابكر إلى أن جهود الأمم المتحدة في إنشاء مناطق آمنة في دول مثل رواندا وسيراليون وجنوب السودان قد ساعدت بشكل كبير في تقليل الانتهاكات وحماية المدنيين، حيث كانت تتم إدارة هذه المناطق بواسطة قوات أممية، مما أدى إلى توصيل المساعدات الإنسانية بشكل فعال.
من ناحيته، وصف الكاتب والباحث إبراهيم فتح الله في حديثه مع “التغيير” المنتقدين للفكرة بأنهم يستندون إلى مواقف سياسية ذات طابع كيزاني. أشار فتح الله إلى أن الاقتراح جاء نتيجة تعنت الجانبين المتحاربين في إنهاء النزاع، مبرزًا أن هناك من يروج لفكرة استمرار الحرب كـ “خيار واقعي”. وتساءل عن قيمة هذه الفكرة، معتبرًا أنها تصب في مصلحة استمرار الحرب التي يتعرض خلالها المدنيون للقتل والتهجير. وفي هذا السياق، أشار الأكاديمي وأستاذ حل النزاعات في الجامعات السودانية، راشد عثمان، إلى أن إقامة مناطق آمنة في السودان قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. محذرًا من أن السودان يجب أن يعمل على تدويل القضية وفتح المجال لتدخلات خارجية، كما جرى في ليبيا عندما تدخلت القوى الدولية في تلك المنطقة.
وأضاف: أن نفس الاقتراح أدى إلى أكبر كارثة في أوروبا خلال التسعينيات في البوسنة والهرسك، حيث حدثت مجزرة كبيرة للمواطنين المسلمين. وأيضاً، هل حققت الفكرة نجاحاً في أبيي؟ يذكر راشد وفقًا لمقترح “تنسيقية تقدم” أن هناك مناطق آمنة في السودان، مثل الجزيرة وسنجة والنيل الأبيض، حيث لا توجد أسلحة أو جيوش. ويتساءل: هل نالت النجاة من قسوة قوات الدعم السريع؟ الجواب هو لا، فقد تعرضت للاقتحام نتيجة همجية هذه القوات التي تعتمد على أسلوب النهب والسلب. يشير المتحدث عن قوات الدعم السريع قائلاً: إنهم لا يلتزمون بالأعراف والتقاليد والأخلاق السودانية، فضلاً عن عدم احترامهم للقانون الدولي. وشدد على أن إنشاء مناطق لحماية المدنيين يعد فكرة غير مجدية، ولا تفيد المواطن.
وأبرز أن الذين يتهمون طيران الجيش، متسائلاً: هل استهدف الطيران المناطق التي لا توجد فيها قوات الدعم السريع؟ أكد راشد احترامه لرأي “تقدم” بشأن جهودهم لوقف الحرب، مشيرًا إلى أنه لا يوجد عاقل يرغب في استمرار النزاع.
ومع ذلك، أضاف أن إنهاء الحرب لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة، وينبغي عليهم الضغط بشكل أكبر “خارجياً” من أجل تنفيذ مخرجات اتفاق جدة. اختتم راشد حديثه بالإشارة إلى مقولة المتحدثة السابقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي قالت: “لقد أظهر لنا التاريخ أن المناطق الآمنة نادرًا ما تكون آمنة”.