انتقد خبراء مواقف المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بيريلليو، مؤكدين أن رحلاته الخارجية لا تؤثر على إنهاء الحرب، ولم تساعد في معالجة الأزمة السودانية، حيث اقتصر حواره على لقاء النخب وقادة المجتمع المدني وتنظيم ورش عمل خارج السودان. اعتبروا أن معظم جهود ونشاطات المبعوث الأمريكي كانت خارج السودان، حيث لم يقم بزيارة السودان سابقًا لرؤية الأوضاع عن كثب، ولا لإجراء مقابلات مع المواطنين المتضررين من الحرب للتعرف على الواقع الميداني.
تنظيم المؤتمرات
في هذا الصدد، أفاد الكاتب والمحلل السياسي الصادق علي حسن بأن الولايات المتحدة تمثل الآن القوة الوحيدة، وأن الجهود الأمريكية ضرورية في جميع الأحوال في الوضع السوداني، خصوصًا في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تمثل الجهة التي تدعم أكثر من 80% من جهود المساعدة الإنسانية للمتضررين من الحرب. أشار الصادق في حديثه لراديو دبنقا إلى أن جهود المبعوث الأمريكي توم بيريلليو استمرت، ولكنها كان يمكن أن تحقق نتائج إيجابية ومرغوبة إذا كانت مبنية على خطط مناسبة لضمان نجاحها. قال: لكن بيريلليو، مثلما هو الحال مع الوساطة، اتجه نحو تنظيم المؤتمرات وورش العمل والتعامل مع القضايا من خلال النخب. وأشار إلى أن الظاهرة السودانية قد تجاوزت مرحلة التعامل مع هذه القضايا من قبل النخب، موضحًا أن الأزمة الحالية هي أزمة قاعدية، وأن الحلول يمكن أن تأتي من القواعد عبر أي وسيلة من وسائل التواصل التي يمكن أن تحقق ذلك. وبات الاعتماد على القيادات والنخب غير مجدٍ. وحذر المحلل السياسي الصادق علي حسن من أن البلاد تسير الآن نحو الفوضى الشاملة والحرب الأهلية بشكل سريع، مشيرًا إلى أن ما يجري هنا وهناك قد لا يؤدي إلى أي نتائج ما لم يكن مبنيًا على أسس صحيحة. وأكد على أهمية البحث عن حلول جذرية تستند إلى ما يمكن تطبيقه، بدلاً من الاعتماد على اتفاقات سطحية.
الفوضى الشاملة
أوضح الصادق علي حسن أن ما يمكن قوله هو إن جهود بريلليو أو الولايات المتحدة أو جهود الوساطة، سواء كانت من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الإفريقي، تعتبر مساعدة، لكن الجهود الأساسية يجب أن تأتي من السودانيين أنفسهم. وإذا لم يدرك السودانيون أن الأمر بيدهم وأنهم المعنيون بشكل أساسي، فإن ما يحدث حالياً يعد تبديداً للجهود والوقت بلا فائدة، وقد دخلت البلاد في مرحلة شاملة من الحرب الأهلية والفوضى. حذر الصادق من أن هذه الحروب ستنتشر إلى دول الحزام الإفريقي والجوار، وأن الفوضى في السودان ستعم المنطقة، مما سيؤدي إلى ظهور نموذج هو الأسوأ في العالم. وأعرب عن أمله في أن يتعاون الجميع لمنع البلاد من ما قد يحدث وما قد يترتب على ذلك، كظاهرة تمثل سوء التقدير السياسي للقائمين عليها. رأى أن المبعوث الأمريكي استمر في العمل من خارج السودان، قائلاً: “له تقديراته التي نجهلها، لكن كان من الأفضل أن يختار السودان مكانًا لعمله، حتى لو كان ذلك من داخل المناطق التي تحت سيطرة النظام، لأن وجوده داخل البلاد يتيح له فهم الأمور بشكل أفضل مما يحدث هناك.”
جولات بلا نتائج
اعتبر السفير المتقاعد أبو بكر حسين أحمد أن استراتيجيات المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بريلليو كانت غير صحيحة خلال زيارته للدول الخارجية للضغط على الحكومة من الخارج بواسطة الدول المجاورة. وأرجع ذلك إلى تفاقم المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في النيل الأزرق والجزيرة، حيث يبدو أن كل طرف يسعى لتحقيق انتصارات عسكرية على الأرض. قلل أبوبكر من تأثير جولة المبعوث الإفريقية والعربية على الأوضاع في السودان، وأشار إلى أنها لن تؤدي إلى نتائج ملموسة حتى لو ركزت على الجانب الإنساني. وأوضح أن حكومة السودان وافقت على فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد بالرغم من مخاوفها بشأن تأثير ذلك على الأمن، وقلقها من استخدام المساعدات الإنسانية كغطاء لتقديم الدعم العسكري لقوات الدعم السريع، مما قد يطيل من أمد النزاع، لذلك جاءت الموافقة على مضض. وأضاف قائلاً: “من جانب آخر، تسعى الحكومة السودانية لاثبات نواياها الطيبة، حيث وقعت اتفاقًا مع حكومة جنوب السودان، وبدأت بالفعل في تنفيذه من خلال إدخال المساعدات من الجنوب عبر مطار كادقلي، وقد انطلقت رحلة ستتبعها رحلات أخرى.”
بالإضافة إلى الدعم الذي تقدمه كل من المملكة العربية السعودية وقطر والكويت، عن طريق الطائرات، لا تزال الطائرات تهبط في بورتسودان محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية.
أكد السفير أبوبكر حسين أن الوضع الحالي للأزمة السودانية معقد للغاية، ولا يمكن في الوقت الحالي التنبؤ أو حتى الحديث عن الحوار أو الحل السياسي. وأشار إلى أنه لا يمكن تحقيق الحوار ما لم يتم وقف إطلاق النار، وبعد ذلك يمكن مناقشة الجانب السياسي.
وأضاف: يبدو أن هذا الموضوع أصبح في آخر اهتمامات الطرفين. اعتبر المبعوث أنه قد زار بعض الدول المجاورة لطرح أفكاره، ولكن حتى الدول التي يلتقي بها لا تمتلك القدرة على مساعدته في تحقيق هذه الأفكار، باستثناء الجوانب الإنسانية فقط.
أما كينيا ويوغندا، فيمثلان أطرافًا تقدم الدعم لقوات الدعم السريع. وفي رأي السفير أبو بكر، فإن مصر والسعودية تتبنيان موقف الحياد ولكنهما تميلان إلى دعم حكومة السودان أو على الأقل تفهم وجهة نظرها، ومن ضمن حساباتهما أيضًا هو الحفاظ على عدم تدهور الوضع في السودان. قال: ربما كان المبعوث الأمريكي يعوّل على مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأن السودان يتعلق بنشر قوات دولية لحماية المدنيين، وهو ما لم يتمكن المجلس من اعتماده بسبب عدم توافق الدول الأعضاء حول هذا الموضوع.
نبرة تصعيدية
فيما يخص التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي حول القضايا الإنسانية، وصف مصطفى آدم، المفوض السابق لمفوضية العون الإنساني بولاية الخرطوم، هذه التصريحات بأنها قاسية وتحمل نبرة تصعيد واضحة، حيث تضمنت اتهامات للحكومة السودانية بعدم تسهيل المساعدات الإنسانية بل وتعطيل أكثر من 90% منها، مشيرًا إلى أن ما وصل إلى المواطنين لا يتجاوز 10%. واعتبر أن هذا الموضوع بالغ الأهمية وأن المعلومات التي تم ذكرها تحتاج إلى دراسة دقيقة.
قال آدم لـ”راديو دبنقا”: إن النقاط التي ذكرها المبعوث الأمريكي بشأن جنوب كردفان، التي تعاني من العزلة نتيجة انقطاع الطرق، ونيالا في جنوب دارفور، تقع في مناطق تشهد نزاعات. وأضاف أن هذه مشاكل تتطلب تكييف إدارة الملف الإنساني في ظل ظروف الحرب، مشيرًا إلى أن السودانيين لديهم خبرة طويلة وتجارب سابقة في المجال الإنساني مثل برنامج شريان الحياة.لكنه أشار إلى أن غياب استراتيجية واضحة يؤدي إلى افتقار الرؤية في هذه المسألة. وأوضح أن الحل يكمن في أن يلعب المجتمع المدني السوداني دورًا قياديًا ويكون شريكًا حقيقيًا في تقديم وإدارة ومراقبة وتوزيع المساعدات الإنسانية، مؤكدًا أن ذلك يعزز الثقة ويحول دون توجيه أي اتهامات من أي طرف.