بقلم أبو عاقلة برير الشمبلي
إنها ليست فقط مظاهرة هادرة جابت شوارع لندن … بل هي جذوة وعي متقدة تعبر عن حركة احتجاجية عريضة ضد التدخل المصري السافر في الشأن السوداني الذي أضر بمصالح الشعب السوداني زهاء القرن من الزمان ظلت خلالها مصر الرسمية تستأثر بالموارد والثروات وتستحوز علي حصة السودان من مياه النيل عبر إتفاقيات ومعاهدات مجحفة وتمددت علي مساحات زراعية شاسعة داخل الأراضي السودانية وأقامت السد العالي علي حساب إغراق مدينة حلفا وتهجير أهلها وغمر آثار الحضارة المروية بغرض طمس الهوية والشخصية السودانية علاوة علي اختطافها للقوات المسلحة وتوظفيها لخدمة المصالح المصرية وأصبح الجيش مخلب قط لتحشر مصر الفرعونية أنفها في كل الأمور وتحكم سيطرتها وتشعل الفتن والحروب علي طول البلاد وعرضها لخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي المستمر حتي تنفرد بسرقة ونهب موارده وثرواته ويعيش السوداني محروما ينطبق عليه قول الشاعر
كالعيس يقتلها الظمأ في البيداء والماء فوق ظهورها محمول … وجارة السوء سادرة في غييها تشتري موارد السودان النادرة بعملات محلية مزيفة وتمتد آياديها الاثمة في قمع الثورات والهبات الشعبية وإجهاض الحكومات والأنظمة المدنية ودعم الانظمة العسكرية المرتهنة لها .. بل وصل بها الصلف ان تحتل اراضي سودانية عزيزة في كل من حلايب وشلاتين وابورماد وظلت تتآمر علي السودان في كل المحافل والمنابر الإقليمية والدولية لدرجة انها تستأثر حتي بالوظائف الخاصة بالسودان في هذه المنظمات والمؤسسات.
تنظيم هذه التظاهرة هي انتفاضة شعب أريد له ان يظل قابعا في خانة الاذعان والخضوع لكن تنامي الوعي بحقوقه الإنسانيه قاده للانطلاق نحو آفاق الثورة الموشحة بالاستنارة التي انضجتها حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م والتآمر المصري كان فيها واضحا كالشمس في رابعة النهار ومشاركة سلاح طيرانها في قمع الشعوب الحرة والثائرة وقتلهم بأشكال بشعة عبر الغارات الجوية الغاشمة والبراميل المتفجرة والاسلحة المحرمة دوليا لإسكات صوت الثورة ولكن الثورة هذه المرة لم تأتي بغتتة ولم تتخلق في قوالب مركزية كسابقاتها بل ثورة تغيير يقودها شخص ملهم من غمار الناس آمن بمشروع التغيير وأنحاز له باكرا وصدق ما عاهد الله عليه فصار واحد من أهم رواد التغيير في العصر الحديث الا وهو القائد الهمام الفريق أول محمد حمدان دقلو الرائد الذي لا يكذب أهله قائد ثورة تصحيح المفاهيم ومفجر ثورة الهامش والواقفين علي الرصيف فهو أول شخصية سودانية تقف بقوة وصلابة ضد الظلم التأريخي والمعاصر للدولة المصرية وحينما يثور السيد القائد يملأ كل الفضاء السوداني بهدير الثورة فلا غرو ان يخرج أبناء السودان في عاصمة الضباب احتجاجا علي المجازر الوحشية التي يرتكبها الطيران المصري البغيض والدعوة الي حظر الطيران الذي اوقع الآلاف من القتلي والجرحي أغلبهم من النساء والاطفال والعجزة.
إن في إلتقاء شعبي السودان ومصر في تظاهرة علي شوارع عاصمة بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس التي احتلت مصر والسودان في القرن التاسع عشر الميلادي لها دلالات مرتبطة بالتاريخ والحاضر والمستقبل .. لوحة تعبر عن تضامن شعوب أنهكها الظلم والجبروت والقهر فيمارسون حرية التظاهر كحق حرموا منه في بلدانهم الأصلية بسبب ظلم وفساد الحكام وهم يعايشون الحكم الراشد في منفاهم الإجباري وقيم الحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية الحقوق والواجبات... لطالما انها قيم ظلت غائبة عن بلدانهم القابعة في التخلف بسبب غياب التداول السلمي للسلطة والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان وهدر الموارد .. الالتقاء يؤكد أن بين الشعوب تتوق الي واقع جديد وآمالهم معقودة علي الانعتاق من كل أشكال الماضي والهجرة نحو مستقبل تسوده قيم الحرية والسلام والعدالة والتنمية من خلال توظيف الموارد لاستقرار شعوبهم .
حاولت أن أعقد مقارنة بين تظاهرتي لندن وجدت الفرق يبدو شاسعا جدا لأنه في الاولي خرج مناصرين لنظام بورتسودان في تظاهرة مدفوعة الثمن ومعلومة المقاصد والاهداف يهتفون بشعارات ضد ثورة ديسمبر المجيدة ما يؤكد انهم يمثلون قوي الردة ويدعون لاستمرار الحرب ويمجدون الشمولية… والتظاهرة الثانية تطالب بقيم الحرية وترفع شعارات العدالة والحكم المدني وخروج العسكر من العملية السياسية والعودة للثكنات فعلا لا يستوي الاعمي والبصير .. نعم ان امطرت السماء حرية لخرج العبيد يحملون مظلات.
ولنا عودة