منعم سليمان
حسناً فعل الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء الشرعي والوفد الموقر المرافق له، بزيارتهم إلى بريطانيا الأسبوع الماضي، حيث تمكّن من إسماع صوت أغلبية “لا للحرب” الصامتة؛ من المقهورين والحزانى والمشردين، الذين فقدوا ممتلكاتهم وأرواحهم وراحوا يهيمون في الأرض بسبب حرب “الكيزان” لاستعادة حكم السودان!
نجح رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” في حملته لحشد الدعم الدولي لصالح وقف الحرب التي تفتك بالسودانيين لأكثر من عام ونصف، وتمكن من عقد اجتماع موسع مع عدد من أعضاء مجلسي العموم واللوردات من أحزاب العمال والمحافظين والليبراليين الديمقراطيين، وعلى رأسهم رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني إيميلي ثورنبيري. كما التقى نائب رئيس مجلس اللوردات ووزير أفريقيا في الحكومة البريطانية اللورد راي كولينز، وبأعضاء بارزين في حكومة الظل، ولا يزال يلتقي ساعياً لوقف الحرب، حيث قدم شرحاً وافياً حول تطورات الحرب في السودان، وخطورة الأوضاع وحجم المأساة الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بحق المدنيين في هذه الحرب.
ودعا حمدوك، في “تشاتام هاوس”، إلى ضرورة التفكير بشأن فرض حظر طيران وإنشاء مناطق آمنة، وحتى التشاور حول نشر قوات لحماية المدنيين.
هذه خطوات ممتازة ووطنية، لكن “الكيزان”، لخوفهم الشديد من تأثير زيارة حمدوك إلى لندن واستقباله كرئيس وزراء فعلي، قرروا أن يقوموا بما يعتقدون أنه سيعطل هذه الزيارة، فحشدوا العشرات من أبواقهم وتابعي حركتي المرتزقة المسمّاة بالمشتركة، وأحاطوا بمبنى تشاتام هاوس، فيما يشبه فعل الأوباش.
والغريب أن هذه الدهماء، أغلبهم ممن غامروا باللجوء إلى أوروبا عبر قوارب الموت في البحر المتوسط، ونجوا من حيتان البحار هرباً من طيران الجيش ومن حرق قراهم وإبادتهم، كانوا في المقدمة، يرفعون مع الكيزان وبعض من المتعطلين التائهين المنتمين إلى “اليسار الحزين” لافتات مكتوب عليها “أوقفوا قتل السودانيين”، وكأن عبد الله حمدوك هو قائد إحدى الميليشيات المشاركة في الحرب! أتعرفون من هم الذين رفعوا هذا الشعار؟! إنهم الكيزان القتلة أنفسهم، المؤيدون لكتائب البراء الإرهابية وأعضاء ميليشيات الارتزاق التابعة لمني أركو مناوي وجبريل إبراهيم! إن شر البلية يُضحك ويبلغ ذروة القهقهة عندما يهاجم القتلة الضحايا!
القتلة يطالبون المدنيين بوقف قتل السودانيين؛ إنهم أوباش الناس، وكلمة “أوباش” في اللغة – حتى لا يُساء فهمها – تعني الأخلاط المتفرقة من حثالة المجتمعات، الذين لا تحدهم فضائل ولا تحوطهم قيم؛ فهم مزيج من قليلي العلم، عديمي الدين والمروءة، يدورون مع المنفعة والمصلحة أينما كانت، وهو ما ينطبق تماماً على متعطلي “برمنغهام” المحشودين إلى لندن بالبصات المستأجرة بواسطة سفارة البرهان والكيزان.
وقد تعرف الناس بين هؤلاء المتظاهرين الأوباش على لصوص ومجرمين وقتلة، بينهم حلاق مجرم ومتحرش “مثلي الجنس”، ومنهم أحد الكيزان المحكومين بالسجن المؤبد، تمت محاكمته وادانته باغتصاب طفلين، لكنه تمكن من الهرب من سجن الهدى بعد أن فتحه الكيزان في أيام الحرب الأولى، وغادر إلى بريطانيا، حيث قاد تظاهرات الأوباش ضد وفد تقدم بقيادة د. حمدوك .
هذه عينة فقط لهؤلاء المتظاهرين، والبقية أغلبهم ضحايا لمن يدافعون عنهم بجهل الآن، فروا إلى هناك وينتظرون تحديد أوضاعهم، إما بقبولهم أو رفضهم وترحيلهم إلى بلدانهم، وهؤلاء يمثلون معظم من شاركوا في هذه التظاهرات وصوروا أنفسهم بأنفسهم، وهم الآن ينتظرهم سوح القتال وميادين المعارك وميناء بورتسودان.
يا للغرابة، أن يهتف كوزٌ قاتل نتنٌ “بكم بكم بكم قحاته باعوا الدم”، بينما تنظيمه يسفك الدماء باستمرار منذ أن نفذ انقلابه المشؤوم عام 1989 تحت شعار “فلتَرُق كل الدماء”، وما يزال غارقاً في الدماء دون هوادة. فالذين قتلوا المعتصمين أمام بوابة القيادة لم يكونوا سوى الكيزان، والذين أشعلوا الحرب التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من السودانيين هم أنفسهم، والذين يسلّحون القبائل والميليشيات لتتقاتل الآن هم أنفسهم، فمن الذي سفك الدم السوداني وباعه رخيصاً بالله عليكم؟
أينما وجدت دماً سودانياً مسفوكاً، ستجد خلفه “كوزاً”… وأينما وجدت مرتزقة وأوباش، ستجد خلفهم “كيزان”.
سلامي على عبد الله حمدوك ووفده الميمون بين العالمين، وحسرتي على لندن التي كانت مستقراً لأرباب العلم والثقافة والأدب وصارت في عصر الكيزان موئلاً للدهماء والأوباش!