وصف خبراء أن جهود المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيريللو، تواجه تحديات كبيرة بسبب “تعنت” قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الذي يبدو أن قراراته تتأثر بتأثير تنظيم “الإخوان المسلمين” في البلاد. هذه الديناميكية تعقد من إمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات الرامية إلى إنهاء النزاع المستمر.
على الرغم من مرور ثمانية أشهر منذ تعيينه، لم يتمكن بيريللو، الدبلوماسي وعضو الكونغرس الأمريكي السابق، من إحراز تقدم ملموس في جهود وقف الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023. بل على العكس، تدهورت الأوضاع بشكل أكبر، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والإنساني في السودان.
عند تعيينه في 27 فبراير الماضي، أعربت الإدارة الأمريكية عن تفاؤلها بقدرة بيريللو على معالجة الأزمات الإنسانية ووقف النزاع. ومع ذلك، فقد توسعت رقعة الحرب لتشمل حوالي 70% من البلاد، وارتفع عدد القتلى إلى نحو 100 ألف، بينما تجاوز عدد النازحين 14 مليون شخص، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية بشكل ملحوظ.
سيطرة الإخوان
أرجع خبراء ومحللون أسباب تعثر جهود بيريللو إلى مجموعة من العقبات التي يفرضها تنظيم الإخوان، الذي يسيطر على قرار الجيش ويعوق استجابته لمبادرات وقف الحرب. كما أشاروا إلى تراجع أهمية الأزمة السودانية في أولويات المجتمع الدولي، بالإضافة إلى التعقيدات المرتبطة بمهمة بيريللو نفسها، والتي تتداخل مع الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة.
منذ توليه المنصب، شارك بيريللو في عدة مبادرات إقليمية ودولية، كان آخرها في جنيف خلال شهر أغسطس الماضي. إلا أن هذه الجهود واجهت عقبة كبيرة تتمثل في عدم استجابة الجيش، الذي يتعرض لانتقادات واسعة بسبب انصياعه لتوجيهات تنظيم الإخوان، الذي يسعى لاستمرار النزاع لأغراض تتعلق بطموحاته في العودة إلى الحكم.
يعتقد الكثير من السودانيين أن قيادات تنظيم الإخوان تسيطر بشكل كامل على قرارات الجيش، مما يدفعه نحو التصعيد العسكري. هذا التصعيد يمنحهم فرصة أكبر للمساومة السياسية واستعادة السلطة التي فقدوها بعد الثورة الشعبية في أبريل 2019، مما يزيد من تعقيد الوضع في البلاد.
خيوط الحرب
أشار المحلل السياسي الجميل الفاضل إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لفشل جهود حل الأزمة يكمن في سيطرة تنظيم الإخوان على مجريات الحرب، مما يمنحهم القدرة على توجيه الأحداث والتحكم في القرارات المتعلقة بالصراع. هذه السيطرة تشمل تأثيرهم المباشر وغير المباشر على المواقع التي تلعب دورًا حاسمًا في صناعة القرار.
ولفت الفاضل في حديثه لـ”إرم نيوز” إلى أن تنظيم الإخوان يدرك تمامًا أن أي تسوية قد تؤدي إلى إنهاء الحرب ستجعلهم الضحية الأولى، حيث سيفقدون مكانتهم تمامًا في المشهد السياسي. هذا الوعي يعزز من موقفهم في الاستمرار في الصراع بدلاً من البحث عن حلول سلمية.
وأوضح الفاضل أن استمرار التصعيد العسكري يعد في مصلحة تنظيم الإخوان، حيث يسعى إلى دفع القوى الدولية نحو خيار يشبه النموذج الليبي، مما يتيح لهم ولخصومهم إدارة شؤون البلاد من خلال سلطات الأمر الواقع، وهو ما يعكس استراتيجيتهم في الحفاظ على نفوذهم في ظل الظروف الحالية.
الداخل الأمريكي
اعتبر الخبير الأممي أحمد التجاني أن بيريللو، كجزء من الدبلوماسية الأمريكية، يتبع أجندة بلاده التي تركز على المصالح المستقبلية بدلاً من معالجة القضايا الراهنة. وأوضح أن هذا النهج هو أحد الأسباب التي تعيق بيريللو عن تحقيق التقدم المطلوب في مهمته.
وفيما يتعلق بالتحليلات التي تشير إلى أن قلة خبرة بيريللو هي السبب وراء تعثر الجهود الأمريكية، أشار التجاني في حديثه لـ”إرم نيوز” إلى أن المبعوث الأمريكي يتظاهر بعدم الخبرة، بينما في الواقع يتبع سياسة بلاده التي لا تعير اهتمامًا لوقف الحرب طالما أن مصالحها ليست مهددة.
يبرز هذا الوضع التحديات التي تواجه الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، حيث يبدو أن التركيز على المصالح الذاتية قد يؤثر سلبًا على جهود السلام والاستقرار، مما يثير تساؤلات حول فعالية الاستراتيجيات المتبعة في معالجة الأزمات الحالية.
يتفق محمد الناير، أحد قادة حركة “جيش تحرير السودان”، مع ما أشار إليه التجاني حول طبيعة السياسة الأمريكية. حيث اعتبر أن أداء بيريللو لم يكن بمستوى الطموحات المتوقعة، مشيراً إلى أن هذا لا يعود إلى ضعف أو قلة خبرة، بل إلى أن السودان لم يعد من أولويات السياسة الأمريكية، التي تركز حالياً على الأحداث في غزة وجنوب لبنان وإيران.
وفي حديثه مع “إرم نيوز”، أوضح الناير أن الانتخابات الأمريكية أصبحت تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام صناع القرار، مما أدى إلى أن تكون الأجندة الداخلية هي السائدة في الوقت الراهن. هذا التحول في الأولويات يعكس التغيرات الجيوسياسية التي تؤثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
كما أضاف الناير أن هذا الوضع قد يؤثر سلباً على السودان، حيث أن غياب الاهتمام الأمريكي قد يعيق جهود السلام والتنمية في البلاد. ويبدو أن التحديات التي تواجهها المنطقة تتطلب من السودان أن يعيد تقييم استراتيجياته للتعامل مع هذه المتغيرات.
من المُبكر الحكم
اعتبرت الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن والباحث السياسي الأمين بلال أنه من السابق لأوانه إصدار حكم نهائي حول تجربة المبعوث الأمريكي بيريللو، سواء كانت ناجحة أو فاشلة. وأكدت الحسن أن أداء بيريللو لا يعكس ضعفًا، بل يحتاج إلى مزيد من الوقت والمساحة ليتمكن من تنفيذ مهامه بشكل فعّال، مشيرة إلى التحديات التي واجهها من قبل الجيش ومؤيديه، والتي كانت تهدف إلى تقويض جهوده.
من جانبه، أشار الباحث بلال إلى أن مهمة بيريللو تعثرت بسبب صعوبات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالتواصل مع قادة الجيش. وأوضح أن هذه العقبات تعكس تعقيد الوضع في السودان، مما يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم دون وجود ضغوط حقيقية على الأطراف المتنازعة.
وأكد بلال في حديثه لـ”إرم نيوز” أن نجاح بيريللو في مهمته يعتمد بشكل كبير على قدرته على الاجتماع مع قادة الجيش. وأوضح أن الوضع في السودان يتطلب استراتيجيات مدروسة وضغوط فعالة من أجل تحقيق السلام، مشددًا على أن أي محاولة لوقف النزاع لن تنجح ما لم يتم التعامل مع هذه التحديات بشكل جاد.