على صفحتها على موقع فيسبوك، نشرت “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 بيانًا صادرًا عن “الأورطة الشرقية”، حيث أعلنت أنها قامت بنشر قواتها في ولايات شرق السودان بالتعاون مع الجيش السوداني.
أفاد البيان بأن قوات الأورطة الشرقية تحت قيادة الجنرال الأمين داود محمود، تتواجد وتتحرك نحو الإقليم الشرقي، بعد إجراء مشاورات فنية وعسكرية مع قوات الشعب المسلحة. وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان مؤتمر البجا، برئاسة موسى محمد، عن نشر قواته داخل الإقليم أيضًا.
في ضوء التأكيدات على أن هذه القوات تم نشرها بشكل رئيسي في ولاية كسلا، بدأت المخاوف تزداد من احتمال حدوث صدامات بينها وبين حركات “الكفاح المسلح” من إقليم دارفور التي تتواجد في عدة مناطق بشرق السودان، خصوصًا في ظل التوتر القائم بين قيادة القوات المسلحة وقادة حركات “الكفاح المسلح”. يخشى المراقبون من أن تؤدي الأوضاع في شرق السودان إلى زيادة التوترات القبلية بين الفئات الاجتماعية المتنافسة في الولايات الشرقية.
كما تتزايد المخاوف من احتمال انخراط هذه المليشيات في مواجهة مع قوات الدعم السريع، مما قد يفضي إلى انتشار الصراع إلى مناطق جديدة ويزيد من الطابع القبلي الأهلي لهذه الحرب.
مليشيات شرق السودان
خلال الأشهر الماضية، لاحظ المراقبون وجود خمس مليشيات مسلحة تنشط في شرق السودان، حيث تلقت جميعها تدريبها في معسكرات داخل إريتريا، باستثناء “قوات درع السودان” التي تم إنشاؤها وتدريبها داخل السودان، وتعتبر قبيلة الرشايدة هي الداعم الرئيسي لها، ويتولى قيادتها مبارك أحمد بركي. بالإضافة إلى قوات “الأورطة الشرقية” التي يقودها الأمين داؤد، توجد أيضًا “قوات تحرير شرق السودان” بقيادة إبراهيم دنيا، و”قوات مؤتمر البجا” تحت قيادة موسى محمد أحمد، بالإضافة إلى قوات “الحركة الوطنية لشرق السودان” التي يقودها محمد طاهر بيتاي. تواجه هذه الأخيرة خلافات مع القوات المسلحة نتيجة للتوترات بين قيادتها والناظر محمد الأمين ترك، ناظر الهدندوة، وتتمركز قواتها في منطقة لوكاييب.
أوضح خالد محمد طه، الكاتب والصحفي، في حديثه لراديو دبنقا أن قوات مؤتمر البجا تأسست في عام 1994 تحت اسم “قوات مؤتمر البجا” وخاضت القتال ضد نظام الإنقاذ حتى عادت في عام 2007 بموجب “اتفاقية إسمرا لسلام شرق السودان”، حيث تولى موسى محمد أحمد منصب مساعد رئيس الجمهورية في تلك الفترة. وأضاف أنه كان لـ “مؤتمر البجا” موقف سلبية تجاه ثورة ديسمبر، وأنه قد عاد للظهور بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 واندلاع الحرب، مشيراً إلى أن هذه القوات تتلقى تدريبها ودعمها من إريتيريا. وذكر طه بشأن كتيبة “الأورطة الشرقية” أنها محاولة لاستعادة اسم قديم كان يطلق على أحد المكونات التي أسست “قوة دفاع السودان”، التي تُعتبر الأساس للجيش السوداني الحالي، مع اختلاف بين الكيانين.
وتحت قيادة الأمين داؤود، تتلقى الكتيبة تدريباتها وتسليحها من إريتريا. قال خالد محمد طه إن “قوات تحرير شرق السودان” تتلقى الدعم والتسليح من إريتريا، وأن قواتها تتمركز في المناطق القريبة من الحدود، ويقودها إبراهيم عبد الله المعروف بإبراهيم دنيا. وفقًا لمعلومات حصل عليها راديو دبنقا، فإن إبراهيم دنيا لديه العديد من التحفظات بشأن القتال مع الجيش السوداني في الوقت الراهن.
الخروج من الحياد
تشير العديد من الدلائل إلى أن قوات “الأورطة الشرقية” ستؤدي الدور الأساسي بين جميع مكونات شرق السودان في دعم الجيش السوداني، حيث أنهت تدريب الدفعة الثانية من قواتها المعروفة بـ “قاش 2” لتنضم إلى الدفعة الأولى المسماة “قاش 1”. تتواجد هذه القوات مترابطة داخل معسكر الجيش في القسم الشمالي من مدينة كسلا.
يثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كان الأمين داؤود قد قرر التخلي عن موقفه المحايد المعلن في الحرب، خاصة أنه كان جزءاً من مكونات الجبهة الثورية التي تشمل حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان – ميناوي، وهو حليف قديم لهما منذ تأسيس تحالف “نداء السودان”. تُعتبر “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” إحدى مكونات “الكتلة الديمقراطية”، التي أظهرت دعمها للقوات المسلحة منذ بداية الحرب. وقد انحازت غالبية عناصرها العسكرية وبدأت تقاتل باسم القوات المسلحة.
ليس من المستبعد أن تكون الزيارة التي قام بها الأمين داؤود وعدد من قيادات “الأورطة الشرقية” إلى أم درمان في نهاية شهر سبتمبر الماضي، ولقاؤه مع مساعد القائد العام للجيش، الفريق ياسر العطا، قد ساهمت في تغيير المواقف، خصوصًا بعد ما أُشيع عن السماح له بفتح عدد من المكاتب في ثلاث ولايات بشرق السودان، بالإضافة إلى وعود بتزويده بالأسلحة والمعدات والموارد لجنوده. لقد حاول راديو دبنقا التواصل مع قيادة الأورطة الشرقية، لكن لم نتلقَ أي رد على اتصالاتنا.
حرب المجتمعات
وفيما يتعلق بمعاني إعادة نشر هذه القوات في هذا التوقيت، رأى خالد محمد طه في حديثه لراديو دبنقا أن نشر هذه القوات للمرة الأولى يشير إلى إدماجها في العمليات الأمنية والعسكرية الخاصة بالحرب الحالية. ورغم أنه تم الإشارة إلى هذه العملية بإعادة النشر، إلا أنه في الواقع يُعتبر تورطاً لها في الحرب، وفقاً لوصفه. وتمت الإشارة إلى ما يجري بأنه يتضمن تغيير العناصر القتالية في الجيش من الحركات المسلحة في دارفور إلى المجموعات القبلية في شرق السودان.
عبر طه عن اعتقاده بأن هذه المليشيات ستحارب إلى جانب الجيش السوداني، لكنه أضاف أن هذه الحرب لم تعد تقتصر على الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بل بدأت تتحول إلى صراع بين المجتمعات.
وحذر من أنه إذا حدث ذلك، فإن قوات الدعم السريع ستصبح منظمة غير قادرة على السيطرة على عناصرها، وسيصبح الجيش أيضاً هيئة غير قادرة على التحكم في تابعيه. وحذر الكاتب والصحفي من أن السودان يتجه في المرحلة المقبلة نحو حرب مجتمعية، حيث يسير الاصطفاف القبلي بشكل خطير ومقلق. وقد ينتقل هذا الأمر من شرق السودان إلى مناطق أخرى، وخاصة في جنوب ولاية سنار وولاية النيل الأزرق القريبة من الشرق. وأضاف أن القبائل الواقعة في شرق ووسط السودان، التي تمتد حتى عمق إريتريا، مثل البني عامر والشكرية التي تتواجد على جانبي الحدود ولديها تحالفات تاريخية، قد تسترجع تلك التحالفات مجدداً، خصوصاً بعد الأحداث التي وقعت من انتهاكات في مناطق شرق الجزيرة عقب تسليم أبوعاقلة كيكل نفسه والتحاقه بالقتال في صفوف القوات المسلحة. وأشار إلى أن ذلك يعني أنه لن يستطيع الجيش والدعم السريع إنهاء صراع المجتمعات، حتى وإن تم التوصل إلى اتفاقات.