تقرير رؤى نيوز RMC (رصد وتحليل: مركز إدراك)
مقدمة
شهدت العلاقات السودانية-المصرية تاريخاً طويلاً من التعقيد والتداخلات السياسية، خصوصاً من الجانب المصري، لا سيما في عهد حكم الإسلاميين (يونيو 1989 – أبريل 2019)، الذين ساهموا، من خلال سياساتهم، في إضعاف البنية الوطنية والسياسية والاقتصادية للسودان. وفي هذا السياق، كشفت هذه الحرب صحة الاتهامات ضد الإسلاميين بشأن ارتباطهم بأجندة مصرية تهدف إلى فرض الهيمنة المصرية على السودان، وقد بدأت هذه الأمور تتكشف في العام 2014 عندما صرّح علي كرتي، الأمين العام الحالي للحركة الإسلامية السودانية، وكان حينها يشغل منصب وزير الخارجية، حيث صرّح للصحافة المصرية مبدياً تحسره على تكدس 90 مليون مصري على الشريط النيلي بينما يقل عدد سكان الولاية الشمالية في السودان عن مليوني نسمة؛ متسائلاً : لماذا لا ينزح المصريون إلى شمال السودان؟ . وكان آخر هذه التصريحات المنشورة أمس للقيادي بالمؤتمر الوطني المحلول ربيع عبد العاطي، التي أبدى فيها استعدادهم للتنازل عن أراضٍ سودانية لصالح مصر تحت مسمى “دولة وادي النيل”، بل ذهب أبعد من ذلك، معرباً عن استعدادهم للتنازل عن كل السودان وتذويبه داخل الدولة المصرية.
يسعى هذا التقرير إلى تحليل الدور الذي يلعبه الإسلاميون كأداة تسعى لترسيخ هيمنة مصر على السودان وتأثير ذلك على استقرار السودان.
التحالف مع مصر واستغلال الدعم العسكري
تزايد دعم النظام المصري الحالي للجيش السوداني الذي يقوده الإسلاميون في حربهم ضد قوات الدعم السريع الدائرة منذ 15 أبريل 2023، والذي يهدف إلى تمكين الإسلاميين في الحكم مرة أخرى من خلال القيادات العسكرية التابعة لهم في قيادة الجيش، بعد أن أسقطهم الشعب السوداني في ثورة ديسمبر. ويبدو أنه قد آن أوان دفع فاتورة الدعم العسكري المصري بفرض واقع سياسي واقتصادي في السودان يخدم مصالح مصر. و
يتضح من الدعم أن الهدف المصري ليس حماية الجيش السوداني ومؤسسات الدولة كما يردد الخطاب الرسمي المصري، بل محاولة خلق نظام محاصر وضعيف خاضع لضمان استمرار نفوذها في السودان واستغلال موارده لصالحها.
إسلاميون بلا وطنية لبيع السودان
تشير تصريحات ربيع عبد العاطي وقبله علي كرتي، وغيرهم من الإسلاميين إلى استعدادهم التام للتضحية بوحدة السودان لتحقيق مصالحهم الشخصية. ويصف مراقبون الإسلاميين في السودان بأنهم “شرذمة من اللصوص والفاسدين بلا روح وطنية”، يسعون لتمرير أجندات مصرية دون أدنى اعتبار لإرادة الشعب السوداني، وأنهم بلا مبادئ وطنية، يهتمون فقط بمصالحهم الشخصية حتى وإن كان ذلك يعني استباحة سيادة السودان وتبعيته لمصر.
أجندة مصرية حالمة في السودان
يقول محلل سياسي إن فكرة نظام الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي تتمحور حول التخلص من قوات الدعم السريع ومن ثم دعم عودة الإسلاميين إلى السلطة مرة أخرى بما يخدم رؤيتها القائمة على تأسيس “دولة مركزية” في السودان يحكمها موالون لها مهما كانت اتجاهاتهم السياسية. إلا أن هذا الطموح يبدو ساذجاً وغير واقعي في ظل الواقع السوداني بعد ثورة ديسمبر. وأضاف أن مصر تخسر في كل خطوة من تدخلاتها السياسية في السودان، مثلما حدث في مؤتمر المائدة المستديرة الذي نظمته بالقاهرة، حيث فشلت حتى في الحفاظ على تحالفاتها الأساسية، إذ لم توقع صنيعتها (الكتلة الديمقراطية) على البيان الختامي للمؤتمر. وتعكس مثل هذه الأمور مدى تراجع نفوذ مصر وقدرتها على إدارة الملفات السياسية في السودان.
دعم حكم عسكري تحت قيادة البرهان
يعمل نظام السيسي الغارق في مشاكل سياسية واقتصادية لا حصر لها على استنساخ حكم عسكري مماثل في السودان بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان تحت مظلة إسلامية، وتنشط الأذرع الاستخباراتية المصرية بدعم الإسلاميين من فلول النظام السابق، مثل صلاح قوش وعلي كرتي وغيرهم، لترسيخ حكمهم وقطع الطريق أمام القوى المدنية الديمقراطية. ويدعم النظام المصري تكوين حاضنة سياسية للبرهان بالتعاون مع الإسلاميين، رغم أن هذا الخيار يناقض طبيعة السودان الذي يضم اليوم عدة فصائل عسكرية، مثل الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة، والحركات المسلحة التي لا تزال تتناسل برعاية البرهان، والتي لا بد من توحيدها في جيش واحد بعقيدة وطنية موحدة قبل القيام بأي عملية سياسية تؤدي إلى حكم البلاد، الأمر الذي وصفه محلل سياسي سوداني بأنه يعكس تقزم مصر وضعف القائمين على حكمها في الوقت الحاضر.
مصر وتأجيج الحرب الأهلية
يعتمد الدعم المصري للإسلاميين على التخلص من قوات الدعم السريع، وهو ما جر السودان إلى الحرب المدمرة الحالية. وقامت الفكرة المصرية الأساسية على توجيه ضربات للدعم السريع بعيداً عن أي مشروع شامل للتحول الديمقراطي أو إصلاح الجيش، على أن يتم استيعاب الإسلاميين في هذه الخطة لضمان بقاء البلاد تحت سيطرة عسكرية تخدم مصالحها. إلا أن هذا الخطة أثبتت فشله بعد صمود قوات الدعم السريع أمام الهجمات الجوية التي شارك فيها سلاح الجو المصري منذ بداية الحرب، وهي خطة، لو كُتب لها النجاح، كانت ستزيد من تعقيد الوضع وتساهم في تمزيق البلاد، وتفتح الباب أمام المزيد من الفوضى والنزاع المسلح.
خاتمة
يمثل الإسلاميون في السودان إحدى أدوات الاستعمار المصري الحديث، إذ يسعون إلى تسخير البلاد ومواردها لخدمة أجندة مصرية تتعارض مع طموحات الشعب السوداني نحو الاستقلال والتحول الديمقراطي. وتؤدي سياساتهم إلى تفكيك السودان وتعميق الصراعات الداخلية فيه. ورغم تراجع نفوذ مصر، إلا أن اعتمادها على الإسلاميين لتمرير مصالحها يطيل أمد الأزمة السودانية. يتطلب الوضع الحالي وقفة جادة من جميع الأطراف الوطنية في السودان لمواجهة التدخلات الخارجية، وخصوصاً التدخلات المصرية، والتأكيد على حماية سيادة البلاد واستقلالها.