سعد الدين الماحي
(قصور الجيش عن حماية المدنيين، أو حمل بعض شباب هذه المناطق للسلاح للدفاع عن أنفسهم وأهلهم، ليس مبرراً لكل هذه الحملات الانتقامية من المدنيين والعدوان عليهم، ولا يصلح كتبرير لجرائم الحرب واستهداف المدنيين).
وما ورد أعلاه لـ”وائل محجوب – الأيام”، كما ذُيل فقرات مبعثرة لا يصح تسميتها بالمقال، يتبنى فيها خطاب الحركة الإسلامية المخادع، ويمر على “قصور الجيش عن حماية المدنيين” مرور الكرام، وكأنه “خدشة دبوس” لا علاقة لها بمجازر الطيران الحربي للجيش في قرى كردفان ودارفور، ولا تمت بصلة لهدم عنبر الولادة في مستشفى “الضعين” على رؤوس الأمهات والأطفال حديثي الولادة. لم يسمع بعبارة “صانع الكباب”، ولا “اقتلوا أمهاتهم حتى لا يلدن جنجويداً آخر، واقتلوا مواشيهم، لأنها سبيل عيشهم الوحيد”. أما قوله إن “حمل بعض شباب هذه المناطق للسلاح للدفاع عن أنفسهم وأهلهم ليس مبرراً لقتالهم”، فهو الغباء بعينه، حين يدعو “وائل الأيام” قوات الدعم السريع لتقديم جنودها نعاجاً للذبح على يد مسلحين مؤدلجين، يطلقون عليهم الرصاص. ووائل محجوب ليس غبياً بالطبع، لكن تماهيه مع الحركة الإسلامية أفقده أبسط القواعد الأخلاقية، وهي الصدق مع النفس ومع الناس، فانضم لفقهاء الإخوان القتلة يهرف بما يعرف وما لا يعرف.
وسمى “وائل محجوب” دفاع قوات الدعم السريع عن نفسها بـ”الحملات الانتقامية”، وكأنه شاهد عيان على ما حدث في الجزيرة، وغرق في روايات أصدقائه عناصر الحركة الإسلامية، ليستند عليها في افتراءاته كقرآن منزل، كونها صادفت “هوى” في نفسه، بدافع من عنصرية بغيضة تطفح كلما أراد صاحبها أن يجملها باصطناع الموضوعية والحياد، والتعبير عما يجول في نفسه في وقت واحد.
وعلى طريقة “الحصة وطن، وخلونا نخلص من الدعم السريع أولاً ثم نلتفت للكيزان” يقول: (هذه قضايا سياسية تناقش في مظانها، ولا ينبغي أن يتم خلطها بالموقف من انتهاكات حقوق الإنسان، ويجب ألا تعمي الأنظار عن الجرائم المنهجية التي يواجهها مئات الآلاف من المدنيين في الجزيرة ومختلف المناطق الخاضعة لسيطرة هذه القوات وسجلها الإجرامي المشين).
الغريب أن مدعي الصحافة والتحليل السياسي هذا لا يمتلك من الاثنين حتى اسمهما، فقد لُقّب بـ”بشار الأسد”، سفاح سوريا، الذي كانت غاية مؤهلاته التي أوصلته للسلطة هي كونه ابن حافظ الأسد. والسبب في تشبيهه بالأسد الصغير واضح، وهو أنه يظل نكرة في كل الحقب والعصور إذا لم يقترن باسم “محجوب محمد صالح”. والدليل أنه عندما اكتفى بكتابة اسمه الثنائي في ذيل فقراته المبعثرة هذه، لم يستطع أن يمنع نفسه من ربط اسمه بالأيام، وبالتالي بمحجوب محمد صالح. “النار تلد الرماد”، والاعتناء بالكسب الشخصي والفردي في عالم ما بعد الحداثة لا يأخذ بعين الاعتبار مثل هذه “العظمة المجانية”، ولا مداهنة المداهنين، ولا اصطناع “الغرور” مجهول الأسباب الذي تميز به هذا الدعي.
لم يُعرف لوائل الأيام هذا كسباً في مجال العمل العام، لم يُعرف له حزب ولا انتماء، ولا اعتقال في سجون الحركة الإسلامية تضامن فيه معه الناس، ولا سهم في مقارعة الحركة الإسلامية طوال ثلاثينها العجاف، بل كان شاهداً على تعيين جهاز الأمن للإخواني “إدريس حسن” رئيساً لتحرير صحيفة الأيام، أيام أن صارت صور السفاح البشير – وبالألوان – تحتل كامل مساحة الصفحة الأخيرة في الصحيفة بحجة الإعلان، عندما أُسندت رئاسة تحريرها وتمويلها لجهاز أمن الحركة الإسلامية، من أموال السودانيين المنهوبة والمغمسة بالدماء والدموع. الغريب أن ذلك حدث في وقت كان الناس فيه يتضورون جوعاً، لكنهم يعافون أموال السحت التي كانت الحركة الإسلامية تدفعها للخونة وللمتماهين معها بسخاء منقطع النظير. ولا يستطيع وائل محجوب أن ينكر هذه الحادثة لكثرة الشهود ممن تساءلوا عن “ماذا حدث للأيام” وهم يطالعون صورة البشير تحتل كامل المساحة في آخر الصحيفة.
أما سجل الدعم السريع الإجرامي الذي أشار إليه، فليتساءل عنه قيادة سماره من عناصر الحركة الإسلامية، الذين تكاثروا حوله حتى عافه الناس، كونها كانت القيادة السياسية صاحبة الأمر والنهي في صغير الإجرام وكبيره منذ الثلاثين من يونيو 1989 وحتى الحادي عشر من أبريل 2019، وهو من يعلم بذلك قبل غيره.
فكت ثورة ديسمبر عقدة لسان “وائل محجوب”، فكان من أشد المعارضين لحكومة الثورة المدنية، ينصب لها الفخاخ والمؤامرات مع الشيوعيين تارة، ومع الحركة الإسلامية تارة أخرى، لكن الثابت أنه كان صغيراً حين صمت، وصغيراً حين أفصح عما بداخله من أحقاد.
من الخير لوائل محجوب أن يصمت احتراماً لاسم والده الذي لا يملك تعريفاً سواه، وأن يترك الناس ما تركوه، وينصرف لجلساته مع خاصة أصدقائه من الإسلاميين القتلة. قال الشاعر علي الحصري القيرواني:
(مِمّا ينغّصُني في أَرضِ أَندَلُس/ سَماعُ مُعتَصِمٍ فيها وَمُعتَضِد/ أَسماءُ مَملَكَةٍ في غَيرِ مَوضِعِها/ كَالهِرِّ يَحكي اِنتِفاخاً صَولَةَ الأَسَدِ).