علي أحمد
بين الكيزان وحركات دارفور المسلحة ما صنع الحداد، وشخصياً أحبذ تسميتها بحركات الارتزاق المسلحة، وهذا هو الاسم الحقيقي لها، فهي عبارة عن عصابات قبلية متفلتة بدأت بقطع الطرق ونهب المواطنين في دارفور، قبل أن تنتهي إلى بيع أبناء القبائل كمقاتلين مرتزقة (مرة مع دول ومرة مع دول)؛ عقب سحقها وإنهاء تمردها من قبل قوات الدعم السريع.
لكن قائد قوات الدعم السريع بادر، عقب إطاحة الشعب السوداني بنظام الكيزان، إلى التفاوض مع هؤلاء المرتزقة وجلبهم إلى الخرطوم، وذلك لخلق حالة من الاستقرار الأمني وبالتالي السياسي والاقتصادي – وربما كان هذا أكبر خطأ ارتكبته قوات الدعم السريع – ظناً منها أن (التعيش وخايب الرجا) سيحفظان لها جميلها؛ لكنهما أدارا لها ظهريهما وقلبا لها ظهر المجن مع أول شرارة للحرب الراهنة. فهؤلاء (بتوع الحركات) أغلبهم عبيد للدرهم والدينار، يحبون الزبادي لا المباديء، فتحالفا مع من دفع أكثر (الكيزان) وحاربا بين صفوفهم ضد الدعم السريع، رغم التاريخ المضمخ بالدماء بين الفريقين، ولكن (الكاش قلل النقاش)!
لم يستمر ذلك طويلاً كما توقعنا؛ وانفتح النقاش مرة أخرى حين شرع الكيزان، وعلى رأسهم عبد الفتاح البرهان، في التخلص من عبء هؤلاء المرتزقة الذين ظنوا أنهم تمكنوا من السلطة والثروة، فسرب إلى “عاهرة الاستخبارات” اجتماعاً سرياً بين مناوي وجبريل وقادة الحركات الأخرى من ذات الكار الارتزاقي، ثم أعقب ذلك بإعادة كادره السري المزروع في قوات الدعم السريع المدعو “أبو عاقلة كيكل” ليحل بديلاً عن حركات الارتزاق هذه، بعد أن كثرت مطالبها وازدادت أطماعها وتفاقم جشعها.
الآن، يبدو أن الكيزان شرعوا في (تحمير) بصلة المرتزقة، فغادر مني أركو مناوي إلى باريس يشكو حلفاءه الإسلامويين، وأبدى رغبته الصريحة والواضحة – وفقاً لمصادر عليمة ومقربة – في فض الشراكة مع الجيش (الكيزان) قريباً واتخاذ خطوات بديلة مُقراً بخطأ وخطل خيارهم بمولاة جيش تتحكم به جماعة إثنية من جهة محددة وجماعة سياسية ذات أيديولوجية معروفة – مثل حركته التي قوامها اخوته وابناء خواله مع بعض الرجرجة وأبناء السبيل- وذلك في اجتماع سري التأم في العاصمة الفرنسية حضره أبناء حركته من أهله، حيث قال الرجل إنّ حقائق كثيرة تكشفت لهم عن سيطرة الكيزان على الجيش وتحكم الدولة العميقة في مفاصل صناعة قرار الدولة.
في بورتسودان، سرّب أحد الصحفيين التابعين للأمن الشعبي الكيزاني رسالة واتساب بينه وبين قيادي في حركة المرتزق جبريل إبراهيم، مفادها أن الأخير سيتقدم باستقالته إذا ما مضى عبد الفتاح البرهان قدماً في اختطاف المؤسسات التي تقع تحت دائرة وزارة المالية. حدث كل هذا بعد أن غلّ البرهان يد جبريل عن سرقة بنك السودان المركزي وأخذه منه، ثم شرع الآن في أخذ ديوان الضرائب منه، وكذلك مصلحة الجمارك، وبالتالي لن يكون لوزارة المالية التي هو وزيرها مؤسسات مدرة للأموال حتى يسرق منها جبريل هذا، وبالتالي يحتكر البرهان السرقة لنفسه، لذلك قرر تقديم استقالته، قبل أن يتسرب الخبر وينفي، فيما هرب مناوي وهو مثقل بالهموم والغبن، مظلم الوجه والضمير، إلى مدينة النور وعبد الواحد النور سابقاً.
عموماً، لقد حذرنا من أن هذه الحركات، وعلى وجه الخصوص حركتي مني وجبريل، ما هي إلا تجمعات للمرتزقة واللصوص، ما زال بعضها في ليبيا، واحدة مع إسلاميي طرابلس والثانية مع خليفة حفتر في شرق ليبيا، تقدم خدماتها الارتزاقية لمن يدفع أكثر، ولو كان قائد الدعم السريع دفع لها لكانت الآن في جانبه، وقد حاولت مرات عديدة خلال الفترة التي كانت فيها على الحياد مساومة الفريق أول محمد حمدان دقلو على خوض الحرب معه بمقابل مالي، كان آخرها ما طلبه المرتزق مني مناوي في أديس أبابا، لكنه رفض، فأعلنت تحالفها مع الجيش، وها هما الآن في مفترق الطرق، ولربما سنشهد حرباً أخرى في بورتسودان والفاشر والدبة والقضارف والفاو، حيث توجد قوات حركات الارتزاق جنباً إلى جنب مع مليشيات البرهان، وهذا ليس ببعيد.