سعد الدين الماحي
(لولا حيائي منك، لولا خشيتي/ لقلت لك/ السم في كأسك، والخنجر في العباءة/ يا أيها الجالس خلف الحجرة المضاءة/ على جلالك السلام).
والكلمات للفيتوري حينما أعيته الحيلة في إسداء النصح لغافل أسرف في غفلته، فكتب قصيدته هذه بعنوان “وصية الشاعر القديم”. قال الفيتوري ذات مقابلة تلفزيونية، أنه كتبها في الإمام الراحل “الصادق المهدي”، يحذره من الوقوع في شراك الإخوان، مشيداً بروح الإمام العالية في تقبل النقد، ونأيه بالشعر والأدب عن المحاكمات الجزافية، لكن “الإمام” وقع في شراك “الإخوان” بعد كل شئ، ودخلت البلاد في عهد رجال الدين الأوباش، واللحى الضالة المضلة.
واليوم يسدي العديد من السودانيون النصح للمواطنين في فيافي البلاد البعيدة، أن السم في كلمات التحريض القبلي الإخوانية التي يسكبونها في آذانكم، بمساعدة المنتمين لهذه الفئة الضالة من “المنبتين” وجدانياً، وأن الخنجر في دعوات التسليح القبلي للدخول في حرب ثبت وبالدليل، أن عدد الأكاذيب فيها أكبر من عدد الحقائق، بعد أن دخلت الحركة الإسلامية في طور توحشها الحالي، المدفوع بتعطش شديد للعودة للسلطة، يستسهل سقوط الضحايا إلا من عضويتهم و”حواضنهم الاجتماعية”، بعد أن أدخلوا مفهوم الحواضن في قاموس حرب أبريل حتى فاحت رائحتها المنتنة، ولذلك فهي حرب أولى بالاعتزال لكل صاحب بصيرة من المدنيين في مناطق سيطرة الجيش.
لا يصنف الإخوان قبيلة “الشكرية” على أنها من “حواضنهم الاجتماعية”، بل كثيراً ما وجهوا إليها الاتهامات بالتحالف مع قوات الدعم السريع، ذات التهمة التي وجهوها لقبيلة البطاحين من قبل، لكن وما إن انكشف أمر جاسوسهم “أبو عاقلة كيكل”، وقتل قائد منطقة البطانة العسكرية بعد هزيمتهم في معارك سموها هم “معركة استرداد الجزيرة”، حتى هرع “البرهان” بنفسه لسرادق عزائه يقول ما يعف اللسان عن ذكره، محرضاً “الشكرية” على الثأر لابنهم، الذي حولته مؤسسة الجيش الإخوانية إلى مجرد “شكري”، وكأننا لا نزال في عصور أفريقيا سحيقة القدم، حيث التجمعات القبلية الصغيرة. زمن “البوشمن” و”الأقزام” والتقاط الثمار، ما قبل اكتشاف الزراعة. وهكذا أراد الفقهاء القتلة للسودان أن يكون.
وغني عن القول أن الحرب الحالية لن تنتهي إلا بكسر شوكة “إخوان الشياطين” هؤلاء بصورة ناجزة، أو إضعافهم لدرجة إجبارهم على أن يبحثوا عن السلام بجدية، ويقبلوا بشروط السودانيين، وحلمهم الذي لا تنازل عنه في دولة الحريات والحقوق.
أما ما دون ذلك فهو ما أعلنوه على رؤوس أشهاد، وفي غرفهم الإعلامية مدفوعة الأجر على وسائط التواصل، من أن إبادة تشبه إبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد الرجل الأبيض، تنتظر عرب كردفان ودارفور، وإن تظاهر الإخوان بغير ذلك، إمعاناً في الحرص على غفلة الغافلين من أبناء تك المجتمعات.
لا وجود لدولة في سودان اليوم، بل هي عصابة الحركة الإسلامية المجرمة وقد اختبأت خلف القلبية، تستهدف قبائل غرب السودان بالاتهامات والطيران الأجنبي والبراميل المتفجرة، وتستهدف قبائل شرق الجزيرة بالتسليح والفيديوهات المعلنة في الوسائط، لمسلحين يتوعدون الدعم السريع، في محاولة للزج بها في المعركة كدروع بشرية، تؤخر تقدم الدعم السريع نحو مناطقهم “الآمنة” في أقاصي الشرق.
أراد الإخوان لحرب الخامس عشر من أبريل أن تكون “حتمية” على قبائل بعينها، حينما أسرفوا في القتل والتعذيب والاعتقال على أسس قبلية وجهوية. صار الانتماء لقبائل عرب غرب السودان تهمة عقوبتها الإعدام في ولايات الشرق والشمال، وصار أهل الغرب يتجنبون الدخول للبلاد عن طريق ميناء ومطار بورتسودان، بعد أن تحول المنفذان إلى “مصيدة للغرابة”، يصورون جثثهم بعد قتلهم في فيديو مدته دقيقتين، ليؤكدوا انتصاراتهم في ميادين المعارك. أرادوها وحشية، ومتمددة في كل أنحاء السودان – عدا مناطقهم – بعد أن تبين لهم عجزهم عن حسمها.
بات من الواضح أنه لم يعد من الممكن عملياً أن تقوم للسودان -كدولة – قائمة إلا بقتال إخوان الشياطين هؤلاء، والقضاء عليهم بصورة مبرمة ونهائية. وليقرأ القارئ إن أراد “أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير”. إن منحنى العالم الأخلاقي طويل، لكنه يميل دائماً في النهاية باتجاه العدالة