علي أحمد
اُشتهر أحد ضباط التنظيم العسكري الإسلامي داخل الجيش بإدمانه البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً “فيسبوك”، وبلغ به هذا الإدمان أن كان يبث الصلوات التي يؤديها وهو محاصر في السلاح الطبي!
بالأمس، اعترف هذا الضابط (العميد طارق كجاب)، وهو إسلاموي منظم لا يخفى على أحد، ولا هو يريد أن يخفي هذا الشيء عن أحد، في مقطع فيديو بأن هذا الجيش جيش ضباط – ولا يوجد به جنود، وأن الاستنفار الذي دعا إليه قائده فشل فشلاً ذريعاً، وأن من يقاتلون في صفوف ميليشيا الجيش هم شباب الحركة الإسلامية وكتائبها.
اعتراف “كجاب” جاء مشفوعاً باعتراف آخر أكثر أهمية، وهو أن الدعوة للاستنفار لم تجد قبولاً أو استجابة وسط المواطنين. وجاء هذا الاعتراف عقب دعوة قائده البرهان قبيلة الشكرية للتسلح للدفاع عن نفسها، مما دفع بهذا المكون الاجتماعي المهم (الشكرية) للفناء في حرب الكيزان. خاصة أن قائد منطقة البطانة الذي قُتل في معركة تمبول من أبناء هذا المكون المهم، وقد استغل الكيزان ذلك ليعرضوا دمه سلعةً للثأر القبلي، وكأنه لقى ربه في معركة مع قبيلة أخرى ولم يكن ضابطاً في الجيش. ولأنه أحد قادة الجيش، فإن الصحيح أن يثأر الجيش لمقتله وليس القبيلة. وهذا يعيد إلى الأذهان ما حدث في مدينة الجنينة عندما سلحوا قبيلة المساليت وحولوها من مكون اجتماعي إلى كتيبة مسلحة، ثم بعد ذلك هرب الجيش إلى تشاد، وهذا ما حدث ويحدث في تمبول!
على كلٍ، هذا ما حدث، ولسنا هنا بصدد ذلك، وإنما نناقش تصريحات الكوز اللايفاتي (طارق كجاب)، الذي لم يسأل نفسه عن أسباب إخفاق الاستنفار وعدم الاستجابة له.
يا سادتي الكرام، لا أحد سيستنفر لأسباب عديدة واضحة وغير مخفية، أولها أن هذه الحرب لا تخص الشعب السوداني في شيء، وإنما تم توريطه فيها بإدارتها داخل المدن والقرى وبين المواطنين. وقد اختار مشعلو الحرب من فلول النظام السابق “حزب المؤتمر الوطني” والحركة الإسلامية، بالتنسيق مع قيادة الجيش الكيزانية، مكان وزمان المعركة التي يخوضونها ضد ثورة ديسمبر المجيدة، وضد التحول المدني الديمقراطي، ومن أجل العودة إلى السلطة بالأساس. لكن عودتهم المزعومة هذه لن تتحقق إلا بتصوير هذه المعركة على أنها معركة للكرامة الوطنية ضد غزاة أجانب وأوباش ومجموعة من البشر، لذلك اختاروا المناطق المأهولة بالسكان ميادين للمعارك، حتى يتسببوا بأقصى الأضرار بحق المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم، وبالتالي يجبرونهم على حمل السلاح والحرب نيابة عنهم وإعادتهم إلى السلطة. لذلك أعلنوا الاستنفار منذ أول شهر بعد بداية الحرب، لكنه فشل حتى بعد مرور عام ونصف عليها. فاضطروا إلى استنفار كتائبهم الخائرة التي تفر فراراً غير مسبوق ما أن تندلع المعارك، ويتركون بعض (الصبية الصغار) المغرر بهم، والذين ليست لديهم خبرات قتالية، ليواجهوا نيران الدعم السريع، فيموتون موت (الضأن) كما حدث في رفاعة وتمبول وغيرهما.
وهنا يدفعون بكتائبهم الإعلامية، ويعتبر الطبيب الهارب من معارك أم درمان إلى شندي (طارق كجاب) أحد رموزها، لكي يشتم المواطنين ويصفهم بالجبناء الرعاديد؛ لأنهم لم ينضموا إلى ميليشيات الكيزان ويسخروا أنفسهم كدروع بشرية لحمايتها.
اعترافات الرجل المضطرب خفيف العقل ثقيل الظل، بأنه لا يوجد جيش (جنود) في الأصل، وإنما ضباط فقط، تدعم وتقوي ما سبق وأشرنا إليه بأن الحركة الإسلامية أخلت الجيش من الجنود المقاتلين (البندقجية) وجندت كوادرها فيه كضباط، فيما كانت قوات الدعم السريع تقاتل التمردات في دارفور وغيرها نيابة عن جيش الضباط الإسلامويين هذا.
لكل هذه الأسباب، ظللنا نتحدث عن ضرورة إصلاح القوات المسلحة والمؤسسات العسكرية والأمنية الأخرى وإدماجها في سياق الدولة وإدارتها من حكومة مدنية منتخبة، وإخلائها من الكيزان وإعادتها إلى الشعب حتى تتمكن من الدفاع عنه، لا أن تطالبه بالدفاع عنها كما يحدث الآن.
أليس مخجلاً أيها السيدات والسادة، أن يخرج عميد في الجيش في بث مباشر (لايف) ليطالب الشعب بالدفاع عن الجيش، ويصف الشعب بالجبن والخوار لأنه فر وهرب من الحرب الدائرة في شرق الجزيرة إلى أماكن أكثر أمناً، فيما يمسك لسانه عن جيشه الذي لا يقاتل أبداً، وإذا فعل انهزم وهرب وولى الأدبار وجلب العار. ومنهم هذا (الكجاب) الكذاب نفسه، الذي تحول من ضابط مهمته حمل البندقية وخوض المعارك على الأرض، إلى (لايفاتي) يخوض معاركه في الأسافير وهو في حرز أمين في مهربه وسط أهله بمدينة شندي.
هذا هو الجيش يا سادتي… إنه جيش الكيزان… والمشكلة كل المشكلة تكمن فيما جاء به هذا الضابط “الكجاب”، وقديماً قيل: “خذوا الحكمة من أفواه المجانين”، أو كما قال مثلنا الشعبي الذي يُقال ولا يُكتب: “لا (ت…) المجنون ولا تخلي المجنون (ت…)”.