(رصد وتحليل: مركز إدراك)
مقدمة
يعيش السودان حالة من عدم الاستقرار منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مسنوداً بكتائب ومليشيات الحركة الإسلامية السودانية، ضد قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
مؤخراً، وتحديداً قبل يومين، ظهرت تطورات تدعو للقلق، إذ أعلن البرهان عن عزمه تسليح قبائل معينة، ما ينذر بخطر جر البلاد نحو صراع أهلي واسع النطاق يمتد إلى صراعات قبلية وعرقية قد تضر بالنسيج الاجتماعي وتؤدي إلى تقويض وحدة البلاد.
فتح مخازن الأسلحة في قسم شرطة الصباغ: تسليح قبيلة الشكرية
تداولت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي اليوم الجمعة 25 أكتوبر مقاطع فيديو وصور تُظهر حشداً من مواطني منطقة الصباغ بمحلية البطانة، وهي معقل من معاقل قبيلة الشكرية العريقة في شرق البلاد، وهم يقتحمون قسم شرطة الصباغ التابع لرئاسة شرطة ولاية القضارف، للحصول على أسلحة وذخائر، وقد ظهر بعضهم وهم يخرجون محملين بها.
إن تدفق هذه الكميات من الأسلحة إلى أيدي المدنيين بشكل عشوائي وبتشجيع من القيادة العسكرية يشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي، ويُعدّ بداية لتحويل الصراع من صراع عسكري منظم إلى نزاعات عرقية وقبلية.
خطر تسليح القبائل على السلم والأمن
حسب خبير ومحلل سياسي تحدث إلينا، قال إنه ومن خلال تحليل الوضع الراهن، يمكن القول إن سياسات تسليح القبائل ستؤدي إلى الآثار التالية:
- تأجيج الصراع القبلي: فتح مخازن الأسلحة وتمكين قبائل معينة سيؤدي إلى استعداء القبائل الأخرى ويحفزها على الحصول على السلاح للدفاع عن نفسها. هذا التوتر المتصاعد سيدفع البلاد نحو صراع قبلي شامل يزيد من انعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد.
- إضعاف السلم الاجتماعي: يشكّل تسليح القبائل خطراً على النسيج الاجتماعي المتماسك للسودان، إذ يحول الاختلافات القبلية إلى صراعات مسلحة، مما يؤدي إلى تدمير البنية الاجتماعية والثقافية ويزرع بذور الفتنة والفرقة بين المواطنين الذين طالما تعايشوا معاً.
- توسيع رقعة الحرب وزيادة الخسائر البشرية: بوجود الأسلحة بأيدي القبائل، تتزايد احتمالية اندلاع مواجهات واسعة بين مختلف الفصائل العرقية والقبلية، مما يؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وإطالة أمد الحرب، ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار أو التوصل إلى تسوية سلمية في المستقبل.
- تحويل البلاد إلى كنتونات قبلية:
تزايد الصراعات القبلية المسلحة يدفع السودان نحو التحول إلى مناطق نفوذ قبلية صغيرة تديرها جماعات محلية دون وجود حكومة مركزية قوية، مما ينذر بتفكيك البلاد وتقسيمها إلى دويلات صغيرة تتبع مصالح قيادات محلية وأمراء حرب.
أبعاد سياسية وأمنية: دور “المؤتمر الوطني المحلول” وتحويل الصراع إلى حرب عرقية
يُتهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بممارسة سياسة ترمي إلى تحويل الصراع العسكري إلى نزاع قبلي، بدعم وتخطيط من تنظيم “المؤتمر الوطني”، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. إذ يبدو واضحاً أن التنظيم الإسلامي يسعى من خلال تسليح القبائل إلى تحويل الصراع العسكري إلى حرب عرقية شاملة تستنزف طاقات الشعب وتُفقد السودان وحدته. ويمكن القول إن هذا المخطط يهدف إلى تكرار سيناريو تقسيم السودان (دولتي السودان وجنوب السودان)، وتمزيقه إلى دويلات إثنية وقبلية متناحرة، كما يحدث الآن عبر إشعال الفتن القبلية ونشر قصص اغتصابات وتضخيمها، وتسجيلات قبلية وعنصرية، وصولاً إلى مخطط تمزيق السودان إلى مجموعات وكيانات ضيقة وضعيفة.
انعكاسات اجتماعية وإنسانية لتسليح القبائل
إن فتح الباب أمام تسليح القبائل يؤثر سلباً على المجتمع السوداني ككل، فالقبائل التي تمتلك السلاح قد تعمد إلى ارتكاب انتهاكات ضد القبائل الأخرى، مما يؤدي إلى تهجير قسري للسكان وانهيار الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم. هذه الأوضاع من شأنها أن تدفع بمزيد من المواطنين نحو الفقر والتشرد، وتؤدي إلى حالة من الفوضى وانعدام الأمن على نطاق واسع.
خاتمة
يمثل تسليح القبائل خطوة خطيرة على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وهو تهديد يجب مواجهته بوعي وحزم.
إن استمرار هذه السياسات لن يؤدي سوى إلى تعميق الصراع وإطالة أمد الحرب، مما سيقود البلاد إلى مستقبل مجهول يسيطر عليه أمراء الحرب من الجماعات الدينية والقبلية المتشددة كما حدث في دول أخرى في المنطقة. وينبغي على السودانيين جميعاً نبذ العنصرية والعصبية القبلية، والالتزام بالعمل من أجل وحدة البلاد وحمايتها من الانزلاق نحو الفوضى والحرب القبلية الشاملة.