(بوابة السودان)
مقدمة:
تشهد الساحة السودانية انقسامات حادة داخل كتلة انقلاب 25 أكتوبر 2021، في ظل الصراع المستمر وسطها بين الأطراف السياسية والعسكرية. وبعد تسريبات الاستخبارات العسكرية لمحضر الاجتماع الذي حضره (جبريل ومناوي) وطلبهما مطالب مالية وتقاسم السلطة مقابل الحرب ضد قوات الدعم السريع. أعلن السفير السوداني لدى الإمارات، عبد الرحمن شرفي، رفضه الامتثال لاستدعاء صادر من وزارة خارجية حكومة البرهان للحضور إلى بورتسودان.
يعكس هذا القرار عمق الانقسام السياسي والعسكري داخل كتلة الانقلاب التي يقودها نظام الحركة الإسلامية (علي كرتي) برئاسة شرفية من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مما يثير المزيد من التساؤلات حول مستقبل التحالفات الداخلية والخارجية لسلطة الأمر الواقع في بورتسودان.
من هو السفير شرفي؟
اسمه الكامل عبد الرحمن أحمد خالد شرفي. التحق بوزارة الخارجية في عام 1985، وكانت أولى محطاته الخارجية كسكرتير ثالث بسفارة السودان في زيمبابوي عام 1988، وظل فيها حتى أوائل التسعينات. ثم عمل مستشارًا بسفارة السودان في نيودلهي، ثم وزيرًا مفوضًا بسفارة السودان في نيروبي. قبل أن يترقى إلى منصب السفير في عام 2009، ليصبح أول سفير للسودان في فنزويلا. غادر بعد فترة فنزويلا ووزارة الخارجية- لأسباب غير معلومة- وانتقل إلى كندا حيث عاش هناك لفترة، ثم عاد إلى السودان بعد الثورة. تم إرجاعه للعمل ضمن قائمة المفصولين تعسفيًا خلال حكومة الثورة التي كان يرأسها د. عبد الله حمدوك، وعُين بعد ذلك مديرًا لإدارة المراسم بوزارة الخارجية.
تم تعيينه سفيرًا للسودان في دولة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر 2022 بعد انقلاب الحركة الاسلامية برئاسة البرهان.
تمرد السفير:
أفادت تسريبات ومصادر متعددة أن السفير عبد الرحمن شرفي رفض الامتثال لأمر الاستدعاء الذي وجهته له وزارة الخارجية السودانية في 15 أكتوبر الماضي، وبرر موقفه – بحسب ما تم تداوله على نطاق واسع – بأنه يرى أن السلطة الحالية بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان جاءت عبر انقلاب عسكري ولا تمثل الإرادة الشعبية، وأنه لن يسلم نفسه إلا لحكومة مدنية منتخبة. يأتي هذا الرفض في وقت حساس للغاية، إذ تشهد حكومة بورتسودان هزات عنيفة داخليًا وخارجيًا، مع خيبة أمل واسعة وسط أنصارها الذين وعدتهم بانتصارات سريعة وحاسمة في الحرب ضد قوات الدعم السريع، والتي لم تتحقق.
من جهتها، أرسلت وزارة خارجية بورتسودان – التي يسيطر الإسلاميون على مفاصلها – خطابًا رسميًا للسفير، حذرته فيه من مغبة عدم الامتثال للاستدعاء، مشيرة إلى أن عدم حضوره سيترتب عليه إجراءات إدارية ضده. ولكن لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من السفير شرفي أو من سلطة بورتسودان بشأن هذه الخطوة.
دوافع التمرد:
قال مصدر دبلوماسي سوداني رفيع يعمل بمنظمة أممية – طلب عدم الكشف عن هويته – إن عشرات الدبلوماسيين السودانيين قدموا طلبات لجوء سياسي في أوروبا، خاصة في المملكة المتحدة (لندن)، بعد اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023. وذكر أن هؤلاء الدبلوماسيين يعتقدون أن النظام الحالي (الجيش وفلول النظام السابق) لن يصمد طويلًا أمام التحديات الداخلية والخارجية، بما في ذلك الحرب المستعرة التي أشعلوها ضد قوات الدعم السريع. يعزز هذا السياق التكهنات بأن السفير شرفي اتخذ قراره بناءً على تقييمه الخاص بأن سلطة البرهان تواجه مستقبلًا غير مستقر، مما دفعه إلى القفز من السفينة الغارقة والانسلاخ عن سلطة بورتسودان قبل انهيارها المحتمل.
ردود الأفعال:
ألمح السفير جمال محمد إبراهيم، وهو دبلوماسي سوداني مخضرم، في تصريح لراديو (دبنقا)، إلى كذب ونفاق حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وسيطرة الإسلاميين عليها، مستغربًا عدم سحب السفير قبل تقديم شكوى ضد دولة الإمارات، كما جرى العرف الدبلوماسي بين الدول. ورجح أن يكون ذلك بسبب خلافات بين الممسكين بالملفات وضعف سيطرة الحكومة (البرهان) على ملفات العلاقات الخارجية وسيطرة الكيزان (الإخوان) عليها تمامًا.
وقال محلل سياسي كان على علاقة مقربة بقائد الجيش البرهان إبان الحكومة المدنية الانتقالية، إن البرهان يتصرف – كعادته – كسمسار “عينه على الدرهم وقلبه مع حكم إخوانه الكيزان”.
وحول خطوة السفير ورفضه الامتثال لتنفيذ قرارات وزارة الخارجية، أجاب قائلاً: “وهل توجد وزارة خارجية؟ ما يوجد في بورتسودان أشبه بشخص يملك كشكًا أو دكانًا صغيرًا ويطلق عليه مول”. وختم حديثه قائلاً: “أن يأتي السفير متأخرًا خير من ألا يأتي أبدًا”.
خاتمة:
قرار السفير عبد الرحمن شرفي بعدم العودة إلى بورتسودان ورفض الامتثال لسلطة البرهان المدعومة بعناصر النظام السابق يعكس بوضوح حالة الانقسام الداخلي والهشاشة والتفكك الذي يعاني منه تحالف الانقلاب، مما يسلط الضوء على تدهور الوضع العسكري والسياسي والاقتصادي داخل التحالف. وبينما قد تُفسر خطوة السفير كموقف سياسي، إلا أنها قد تكون أيضًا محاولة لحماية المصالح الشخصية في ظل التدهور المستمر للأوضاع على كافة الأصعدة داخل معسكر سلطة الانقلاب وفي البلاد عمومًا.
ومع استمرار الحرب الداخلية وارتفاع عدد الدبلوماسيين الذين يسعون للجوء خارج السودان، تتضاءل فرص “الكيزان” وممثلهم البرهان في حكم السودان، مما يجعل المستقبل السياسي لتحالف الانقلاب والحرب غامضًا ومحفوفاً بالمخاطر.