ظلت الإدارة الأهلية تحتفظ ببريقها من خلال هياكلها التقليدية منذ عهود مضت من لدن السلطنات القديمة الفونج والعبدلاب وممالك التنجر وتقلي والمسبعات والفور والداجو والرزيقات وغيرهم من الإدارات الأهلية الأخري القديمة ذات التاريخ الناصع ، وتطور هذا النظام من خلال التجربة التاريخية للحكم الثنائي عبر إدارة القبائل ممثلة بزعمائها لشئون المناطق والوحدات الإدارية التابعة لها عبر قواعد العرف والعادات والتقاليد في ظل إشراف السلطة المركزية ورقابتها عليهم ، باسطة لهم صلاحيات و سلطات واختصاصات واسعة وهي تؤدي مهام معينة تتعلق بقضايا المجتمع وتنوب عن الدولة في الكثير من الأشياء عبر السلاطين و النظار والعُمد والشيوخ في المجتمعات المحلية ، و كانت كلمة السلطان أو الناظر أو الملك حكماً نهائياً نافذاً على افراد قبيلته جميعهم، وهو من يمثلهم لدى السلطات المحلية والمركزية بالدولة وتختلف مسميات زعامات الإدارة الأهلية بالسودان من مكان لأخر
رغم تباين الآراء حول الدور السياسي للإدارة الأهلية حيث يعتبرها البعض بأنها «صنيعة يمكن استغلالها »، إلا أن هناك من يرى أن الإدارة الأهلية في السودان لم تنشأ من عدم، فتاريخها يرجع إلى فترة ما قبل قيام الدولة السودانية الحديثة أي قبل نشوء السلطنة الزرقاء فقد كانت هناك مشيخات وزعامات قبلية تزاول نوعاً من النشاط السياسي أو السيادي على قبيلة أو منطقة معينة وظلت قائمة حتى بعد زوال السلطنة الزرقاء عام1821 م وبقيت نشطة في عهد الدولة التركية ا الممتد من عام 1821 م وحتى عام 1885 نسبة لإستعانته بها في حفظ الأمن وتحصيل الضرائب.
شكل جزء من زعماء القبائل السودانية السند لحكم الدولة المهدية من خلال مبايعة الأمام محمد أحمد المهدي مؤسس الدولة المهدية وناصروه في ثورته ضد الحكم التركي للسودان وساهموا في انجاحها إلى أن تم تحرير الخرطوم سنة 1885 م، ولكن بعد تحول المهدية من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة قامت قيادة الدولة المهدية بعزل بعض زعماء القبائل واستعاضت عنهم باصحاب الولاء السياسي ومن هنا برزت بعض الأدوار السياسية وظلت بعض الإدارات تتنازل عن بريقها وهي تعاني من بعض المشكلات حتي سقوط دولة المهدية ، بعدها
اعتمد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري أيضاً على نظام الإدارة الاهلية في القري و البوادي وبشكل خاص المناطق النائية عن المركز لإنخفاض التكلفته الإدارية وتبسيط الظل الإداري وبساطة المواطنين وتم تقنينها بقوانين ولوائح ومنشورات تحدد سلطاتها وأسلوب ممارستها التي شملت منح زعماء القبائل بعض المزايا التحفيزية و السلطات القضائية والأمنية والإدارية مما مكن زعامات هذه القبائل من الفصل في جميع أنواع الخصومات وضبط الأمن حسب الأعراف والتقاليد وقواعد الأخلاق في تلك المناطق وتم استغلال نظام الإدارة الأهلية و وتوظّيفه لمصلحته، فقد كان الحاكم العام يوفد مندوبه إلى الناظر أو السلطان أو الملك أوالشرتاي لإملاء توجيهاته والذين بدورهم يقومون بانزال التوجيهات إلى مستويات الإدارة التي تدنوهم درجة كالعمدة والشيخ فكانت الجبايات والاتاوات المفروضة من الحاكم العام يتم جمعها وتحصيلها عبرهم
مرّت الإدارة الأهلية بكل هذه المراحل مع تعاقب الأنظمة والحكومات في السودان إلا أن نظام الإنقاذ 1989 كان الاقسي عليهم والذي عمل على احتواء عدد كبير من رجال الإدارة الأهلية من خلال بعض الاغراءات كلاً حسب شخصيتة وزنه و رغباته وأهدافه عبر دراسات دقيقة من مؤسسات استراتيجية و سايكلوجية لتحديد حجم وكيفية التعامل مع رجل إدارة الاهلية فاصبغت الكثير منهم على حزب المؤتمر الوطني إلا القليل منهم من يقف في إطار عمله المجتمعي ومع هموم ووقضايا و أهداف الشعب و الشباب في تحقيق رغباتهم وتطلعات مجتمعاتهم وهم بالتأكيد متواجدين الآن في الساحة ولهم مواقف داعمة لقضايا الوطن و الشعوب التي عانت من الأنظمة الشمولية البيروقراطية و ويلات الحروب و الاضطهاد و الظلم ويستحقون كل احترام وتقدير اما ما تبقي من الإدارات الأهلية الكيزانية فهم فقدوا بريقيهم المجتمعي خاصة وسط المستنيرين وأصحاب الوعي اذ هم أصبحوا ادوات لاحزابهم فهم كانو أعضاء في هيئة شوري المؤتمر الوطني و المؤتمر العام للمؤتمر الوطني وصاروا جزء من الكابينة الحكومية حينها فمنهم من تقلد مناصب سياسية أو تنفيذية أو تشريعية عبر نزول الانتخابات والمنافسة الغير متكافئة حتي منسوبيهم من القبيلة ممن لهم باع في العمل السياسي على سبيل المثال وليس الحصر الناظر محمد الامين ترك في شرق السودان الذي كان يترأس المجلس التشعريعي لولاية كسلا وكانت له ادوار كبير في إطار وأد ثورة ( ديسمبر ) ثورة الشباب من خلال قيادته للأنشطة المناوئة للحكم المدني في الخرطوم وتم إغلاق الميناء في بورتسودان عبره إبان فترة الحكم المدني أيضاً كما أن سلطان المساليت الذي يتواجد حالياً في بورتسودان السلطان سعد عبدالرحمن من غرب السودان الذي كان يترأس المجلس التشريعي لغرب دارفور وتشريعي السلطة الإقليمية لدافور إبان رئاسة التجاني السيسي للسلطة الإقليمية لدارفور ولم يشهد الشعب السوداني له بكلمة واحدة في نصرة قضايا شعبه وهو ضد ثورة الشباب السوداني ويقف مع من قتلو شعبه بالقصف الجوي منذ العام 2003 دون أي اعتبار لمعاناة هؤلاء المساكين وهو يجول المكاتب في الخرطوم التي كانت تجود له بالموائد والموارد و يقوم بأدوار من شأنه تقويض الحكم المدني وتعزيز حكم الشمولية والدكتاتورية الكيزانية الذين عملو على صنيعة الفتنة بين قبائل دارفور وهو يعلم ذلك تماماً ويعلم خبايا واسرار ما تم في غرب دارفور فقط حيث قام خلال الأيام الماضية بزيارة رئيس المؤتمر الوطني المكلف ابراهيم محمود الاسبوع بعد مجئ الاخير الي بورتسودان في زيارة ( لم يعلن عنها ) لترتيب بعض القضايا التي تتعلق بإعادة انتاج حزب المؤتمر الوطني في غرب دارفور لانه يعلم تماماً أن هذا الأمر سيخصم منه كثيراً وأن القاعدة الشعبية في غرب دارفور والمساليت بصورة خاصة لن يرتضوا بعودة حكم البشير الذي ضربهم بالابابيل والانتنوڤ وشردهم منذ العام 2003م فهم لاجئين منذ ذلك الوقت في معسكرات المنافي في تشاد وافريقيا الوسطي وغيرها و ينشط الإسلاميين كثيراً هذه الأيام بذات العقلية القديمة وهم يبحثون عن مداخل مجتمعية ليتدثرو من خلفه ويشرعنوا لأنفسهم عبر هؤلاء ( الإدارات الأهلية) للتحكم في البلاد عبر عاصمة النازحين ( بورتسودان ) وهم يسعون الي استمالة القيادات المجتمعية و تزوير و أنشأ إدارات أهلية اخري في الهواء الطلق مثل محاولة اجتماع أعيان قبيلة الفور الذين حاول بقايا الكيزان استغلالهم في بوتسودان ليكونو واحد من الأدوات الموالية لهم اعتقاداً منهم أنهم يمكن أن يستغفلوا الشعب السوداني بهذه اللاعيب والمسرحيات المكشوفة من أجل تعزيز قبولهم المجتمعي مما يعجل عودتهم للسلطة بصورة أوضح مما هو كائن الآن (التخفي خلف القوات المسلحة ) لكن الأمر مكشوف للجميع وما عادت مثل هذه اللاعيب تنطلي على الشعب وشباب اليوم اوعي مما يعتقدون
على الإدارات الأهلية والقيادات المجتمعية ( الوطنيين ) أن يطلعوا بادوارهم الريادية في هذا المنعطف المفصلي من تاريخ السودان وهو الدور المناط بهم في تعزيز مشروع الحكم المدني الديمقراطي وترسيخ مبادئ و قيم العدالة والدولة التي تحفظ للأجيال القادمة كل الحقوق وتجعلهم في مصاف الدول المتقدمة التي تجد كل الاحترام من المجتمع الدولي والمحيط الاقليمي بعيداً كل البعد من الانزلاق في مطبات الإرهاب الدولي او الانجراف خلف المنظمات والأنظمة الإرهابية المنبوذة دولياً بما يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والانفتاح الدبلوماسي عبر شراكات دولية وعلاقات تتشكل عبرها قنوات داعمة للتنمية والبناء والإعمار
19/اكتوبر 2024 م