(رصد: بوابة السودان)
مقدمة:
في 12 يوليو 2024، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانًا صحفيًا دعا فيه “جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يغذي الصراع وعدم الاستقرار في السودان، ودعم جهود الوساطة لتحقيق سلام دائم”. وفي 11 سبتمبر 2024، مدّد مجلس الأمن بالإجماع حظر الأسلحة المفروض على دارفور منذ عام 2004.
وفي ظل هذا السياق الدولي، كشفت معلومات وتقارير جديدة، استنادًا إلى بيانات الرحلات الجوية وصور الأقمار الصناعية، عن الدعم العسكري الإيراني الكبير للجيش السوداني. ووفقًا للتقارير، أرسلت إيران ما لا يقل عن تسع رحلات شحن إلى السودان بين ديسمبر 2023 ويوليو 2024. جاء هذا الدعم وسط تقارب سياسي بين البلدين بعد اندلاع حرب 15 أبريل، حيث احتاج الجيش السوداني، المدعوم من الحركة الإسلامية السودانية (النظام القديم)، إلى الأسلحة، وظهرت الأسلحة الإيرانية على جبهات القتال لأول مرة.
التقرير الجديد:
نُشر التقرير يوم أمس الخميس 17 أكتوبر من قبل “مرصد النزاعات”، وهو ائتلاف بحثي مدعوم من مكتب عمليات النزاع والاستقرار التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. واعتمد التقرير على تعريف “شبه المؤكد”، الذي يعني احتمالًا يتراوح بين 95 و99%، وهو أعلى مستوى لتقييم الثقة التحليلية، ويمنح هذا التعريف التقرير درجة عالية من الموثوقية تصل حد التأكيد.
أكد التقرير أن إيران سهلت نقل الأسلحة إلى الجيش السوداني عبر رحلات شحن جوية، ويُعتقد أن طائرة الشحن EP-FAB، التابعة لشركة “قشم فارس للطيران”، كانت المسؤولة عن نقل هذه الأسلحة إلى مطار بورتسودان الدولي.
أدلة الرحلات الجوية:
استند التقرير إلى عدة أدلة قوية لدعم هذا الاستنتاج، بما في ذلك تتبع تسع رحلات جوية نفذتها طائرة الشحن EP-FAB من طهران إلى بورتسودان. أيضًا، توقفت أربع من هذه الرحلات في منطقة خاصة بالقوات الجوية الإيرانية في مطار مهرآباد بطهران، مما يشير إلى احتمال نقل شحنات عسكرية. كما تم إيقاف نظام إرسال البيانات (ADS-B) في بعض الرحلات قبل الهبوط، وهي خطوة تُفسر على أنها محاولة متعمدة لإخفاء النشاط العسكري، حيث يُعد هذا التصرف غير شائع في الرحلات المدنية. وبدأ ظهور الأسلحة الإيرانية في ميادين القتال السودانية بعد انطلاق هذه الرحلات.
الأسلحة الإيرانية على أرض المعركة:
شملت الأسلحة التي وفرتها إيران طائرات بدون طيار من نوع “مهاجر-6” ومحطات التحكم الأرضي، إضافة إلى مدفعية ومعدات أخرى. وقد لعبت طائرة الشحن EP-FAB دورًا رئيسيًا في تسهيل شحنات الأسلحة هذه. الجدير بالذكر أن شركة “قشم فارس للطيران”، المالكة للطائرة، تخضع لعقوبات أميركية لدورها في نقل الأسلحة إلى الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
التوقيت والعمليات العسكرية:
تزامن بدء الرحلات الإيرانية في ديسمبر 2023 مع هجوم شنه الجيش السوداني على قوات الدعم السريع في يناير وفبراير 2024. يعزز هذا التزامن الفرضية بأن الأسلحة الإيرانية لعبت دورًا في دعم تلك العمليات العسكرية. وأوضح التقرير أن الطائرة EP-FAB نفذت عدة رحلات بين طهران وبندر عباس قبل التوجه إلى السودان، متجنبة المجال الجوي السعودي، وهو ما يعكس تعقيدات الجسر الجوي الإيراني لدعم الجيش السوداني.
الأدلة الإضافية:
اعتمد الباحثون في المرصد على صور فضائية تجارية عالية الدقة وبرامج تتبع الرحلات الجوية لتوثيق هذه الرحلات، مما أضفى مزيدًا من المصداقية على التقرير. كما أشار التقرير إلى مشاهد فيديو تُظهر قوات الدعم السريع وهي تعرض طائرة بدون طيار أسقطتها في يوليو بمدينة أم درمان، وهي شبيهة بالطائرات الإيرانية المستخدمة في اليمن.
الخلفية السياسية والدبلوماسية:
يأتي هذا الدعم الإيراني في وقت استراتيجي، حيث شهدت العلاقات بين السودان وإيران تقاربًا بعد تجميد دام ثماني سنوات، إذ قطع السودان علاقاته مع إيران في 2016 تضامنًا مع السعودية بعد الهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران. وعلى الرغم من أن السودان كان يعتمد تقليديًا على مصادر أخرى للأسلحة، مثل الصين وروسيا، فإن شحنات الأسلحة الإيرانية تعكس تغيرات سياسية جديدة في المنطقة.
الخاتمة:
تشير التقارير والوقائع على الأرض إلى أن إيران استأنفت دعمها العسكري القديم للجيش بقوة، مما يعيد إحياء شراكة قديمة بين البلدين ويعكس طموحات إيرانية متجددة في منطقة البحر الأحمر. ومع استمرار الحرب في السودان، يبدو واضحًا أن الجسر الجوي الإيراني بين طهران وبورتسودان يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز قدرات الجيش، خاصةً في مجال المسيرات والقاذفات المدمرة، مما يسهم في إطالة أمد الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية. هذا التدخل يُعدّ انتهاكًا سافرًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، ويزيد من تعقيدات الجهود الدولية الساعية لإحلال السلام في السودان.
وفي ظل الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تظل التدخلات العسكرية الإيرانية تشكل تهديدًا كبيرًا لمستقبل السلام في السودان وللأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر بشكل عام.