جِرَاحَةُ الإصلاح الجذريّ الدَقيقَة التي يقوم بها المُشير محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان قَد تُضَارَع في مَنَاحِي عديدة الجِرَاحَةُ المِجهَريّة المتشعبة التي قام بها رَئيس الشَّقِيقةُ تونس قيس سعيد، رغم أن القياس مع الفارق، لكن ثَمّة أوجه شبه عديدة تستدعي الوقوف عندها.
الرئيس قيس سعيد رجل جَاءَ من عامة الشعب التونسي، كان معنيًا بمهنة التعليم والقانون، بدأ مسيرته المهنية أستاذًا للقانون لينتهي به المطاف إلى سدة الحكم رئيسًا ومحاربًا لعتاة الإسلاميين الإرهابيين من لدن راشد الغنوشي ومن شايعه. في المقابل، فإن المشير محمد حمدان دقلو جَاءَ من عامة الشعب السوداني مسنودًا بذكائه الفطريّ وشجاعته المنقطعة النظير وحب الشعب وجنوده له ليقاتل أتباع الإسلاميين الإرهابيين علي كرتي وعلي عثمان في دولة السودان المنكوبة، فلا غرو ها هو حميدتي يحوّل الظلم إلى احتجاج عليم.
ولد قيس سعيد في مدينة تونس في 22 فبراير 1958م، وعمل أستاذًا للقانون الدستوري، ورئيسًا للجمعية التونسية للقانون الدستوري من 1995 حتى 2019م، ثم تولى منصب رئيس الجمهورية التونسية السابع منذ 23 أكتوبر 2019م. بعد أن عمل في أدوار قانونية وأكاديمية مختلفة منذ الثمانينات، انضم سعيّد إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2019م، ومن خلال برنامج شعبوي مع القليل من الحملات الانتخابية، سعى سعيّد إلى جذب الناخبين الشباب، وتعهد بمكافحة الفساد ودعم تحسين النظام الانتخابي. فاز في الجولة الثانية من الانتخابات بنسبة 72.71٪ من الأصوات متغلبًا على “نبيل القروي” وأدى اليمين الدستورية كرئيس للبلاد في 23 أكتوبر 2019.
وإِبّان تَوْلية الحكم، واجه الرئيس سعيد مؤامرات عديدة وحربًا ضروسًا من قبل تركيا وقطر اللتين تدعما الإسلاميّين في تونس، في الوقت الذي ظل يعيش فيه الإسلاميين بالمهجر ومعظمهم كانوا في بريطانيا. بخبث ماكر فصَّلَ الإسلاميون دستورًا على مقاسهم ومن ثم تظاهروا بأنهم يوافقون على إملاءات الغرب لخطب ود المجتمع الدولي وتشديد الخناق على قيس السعيد، ولعل هذا التحايل ليس غريبًا على الإسلاميون في مشارق الأرض ومغاربها في طبعتهم النزّاعة للحكم والسياسة بمكايفيلية بائنة ومتهافتة. إذ لم يتركوا مجالًا للرئيس سعيد غير أن يُعمل عقله بمهنية وحرفية عالية حتى يجد مخرجًا لشعبه، لذلك فعّل الفصل (80) من الدستور التونسي يوم 25 يوليو وهو نفس يوم عيد الجمهورية التونسية، والذي ينص على أن جميع الصلاحيات تصبح بيد الرئيس الذي من حقه اتخاذ الإجراءات الاستثنائية في حالة الخطر الداهم على البرلمان والدستور، ورغم أن هذا الفصل يخول قانونيًا السلطة المطلقة للرئيس، لكن لا يمنحه حق حل البرلمان. وتبع هذه الإجراءات تَأْيِيدًا شعبيًا مطلقًا للرئيس قيس سعيد، وكانت هذه نقطة تحول جوهرية في الخارطة السياسية التونسية.
كعادتهم لم يقف الإسلاميون مكتوفي الأيدي، فعملوا جلسات افتراضية عبر الإنترنت وقاموا بإلغاء الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، واِنْصَبَّ جل تفكيرهم في استلاف نموذج التجربة الليبية وتطبيقه في تونس أو تكوين “حكومة مهجر”، وهنا استشعر الرئيس قيس سعيد الخطر الداهم ولعل هذه المرة الخطر قادم من البرلمان نفسه. صحيح أن الفصل (80) لا يعطي الرئيس الحق في حل البرلمان، ولكن وقتما يضحي البرلمان نفسه هو الخطر؛ عندئذ يصبح حلّه هو الحل، وهذا نص غير مكتوب في الدستور ولكن يفهم من سياقه. عطفا على ذلك، قام قيس سعيد بإصلاحات جذرية بدأت بمحاسبة كل قيادات الأحزاب ومنع السفر لكل رجال الأعمال المتورطين مع القيادات الفاسدة، كما عمل مراجعة لعمل جميع المؤسسات منذ سنة 1959م.
كذلك، طرح الرئيس قيس سعيد مشروع الجمهورية الجديدة والدستور الجديد في عام 2022م، والذي صوت لصالحه ثلاثة مليون من أصل (10) مليون تونسي إذا استثنينا الأطفال والناخبين الغير مقيدين بقاعدة البيانات الانتخابية والمقاطعين. ورغم كل هذه الإصلاحات، إلا أن المجتمع الدولي وقف ضده ولم يمنحه البنك الدولي أي قروض، كما أن لجنة البندقية وهي مختصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان حاولت أن تملي عليه بعض الشروط، لكن الرئيس سعيد وقف في وجههم بحزم بل طرد معظمهم.
أسطورة المشير محمد حمدان دقلو (حميدتي) تكمن في أنه أول قائد سوداني يصدر قرارًا يمنع تصدير الموارد السودانية التي تذهب مجانًا إلى مصر، وهو في قمة صراعه مع الإرهابيين الإسلاميين، فضلًا عن الإصلاحات العديدة التي قام بها على مستوى الحكم والإدارة رغم التحديات الماثلة، وفيما لا شك فيه أن هذه القرارات المفصلية وجدت قبولًا شعبيًا منقطع النظير وأفرحت الأعداء قبل الأصدقاء.
ولعل إمكانية التخلص من الإسلاميين عبر تفاوض مع الجيش المختطف، باتت غير ممكنة أو مستحيلة لا سيما بعد إصرار مصر على دعم الإرهابيين الإسلاميين في السودان. آن الآوان أن يُفعل المشير محمد حمدان شرعيته المطلقة كراعي للدولة السودانية المختطفة، كما ينبغي في الوقت نفسه، تفعيل كل التشريعات والسنن التي تحفظ للدعم السريع حقوقه في الدولة السودانية، ولعل الإنجازات الميدانية والعسكرية للدعم السريع تجاوزت الحديث عن شرعيته كمؤسسه عسكرية قويه وراسخة في المحيط العربي والإقليمي .
الآن، شرعية القوى السياسية والمجتمعية المساندة للدعم السريع مدنيًا ينبغي أن توازي الشرعية العسكرية للدعم السريع وتكون بصورة تعكس المكتسبات العسكرية (للاشاوس). أيضًا، ينبغي أن يعين الدعم السريع رئيس وزراء لكل السودان، ويكون مصاحب للإدارات المدنية التي تم تكوينها، ويخاطب العالم بصفته الرسمية وبسلطته المخولة وفقًا للقانون. تأخر الدعم السريع كثيرًا في استخدام التشريعات والقوانين المخولة له، كما خذلته القوه السياسية المدنية التي انحازت جهويًا إلى حواضنها بصمتها المتواطئ.
إن ترك دويلة 56 التي تدعي المشروعية بلا شرعية تعبث بالشأن السوداني إقليميا ودوليا وبلا منازع؛ قطعا يمنحها أحقية غير مستحقة، لا سيما ترك الحبل على القارب لسفارات دويلة 56 لتعبث بمصير الشعب السوداني، تمنح جوازا لهذا وترفض ذاك، وتخاطب المجتمع الدولي والإقليمي بإجحاف وتجني على الشعب السوداني المغلوب على أمره. في تقديري هذه مسؤولية مدينة تقع على عاتق الدعم السريع في تحرير الشعب السوداني قاطبة من ربقة دويلة 56، وآن الآوان أن يطالب الدعم السريع بتمثيله في الأمم المتحدة بشرعية الأرض والميدان والدستور، لا سيما أن البرهان قد انقلب على التشاريع، فهو بلا أدنى شك منزوع الشرعية.
ختامًا، نتطلع إلى إعلان الجمهورية الجديدة على يد المشير محمد حمدان دقلو (حميدتي) قريبًا.
لندن
17/10/2024