✍️ استراحة الجمعة
يومًا بعد يوم، يتكشف للسودانيين بجلاء أن الذين أشعل من أجلهم قائد الجيش الحرب هم ذاتهم الذين انقلب من أجلهم على حكومة الانتقال المدني الديمقراطي في 25 أكتوبر 2021. وعندما فشل انقلابه، أمروه بالانتقال إلى الخطة البديلة، فأجابهم سمعًا وطاعة، وأشعل عود ثقاب ورماه على الشعب صباح 15 أبريل 2023، و”حدث ما حدث”، كما قال قائلهم، الذي جعله الدكتور “عشاري أحمد” عنوانًا لكتابه، وأطلق عليه لقب “البازنقر”، في إشارة لا تخلو من العنصرية. و”عشاري” هذا، لمن لا يعرفه، أكاديمي وأستاذ جامعي لم يسهم لحظة واحدة في تعزيز الوعي الجماعي، بل زاده خبالًا ووبالًا، فنسيه الناس وانقطع عمله بينهم إلا من اثنين: عنصرية جارية، وابن صالح لا يدعو له. وقد انعكس هذا الخطأ البيولوجي على حياة الابن الصالح بصورة واضحة، وصارت مواقفه كلها (رمادية) اللون، وصار يعيش بين الناس كالبغل، لا هو حمار حتى يُنسب لأبيه، ولا هو حصان ليفخر بسلالته، ولكنه في كل الأحوال بلبوس!
الآن، “نفس الزول”، الفار إلى بورسودان، يحاول مجددًا شرعنة وجود جماعته في السلطة، ويخطط لتشكيل حكومة ديكورية مؤقتة تمهّد لانتخابات مفصلة على مقاس الجبهة العرقية الإسلامية، تدشينًا لعودتها إلى الحكم مجددًا.
وهذا هو فحوى المؤتمر الصحفي الذي أقامه بداية الأسبوع وزيرا خارجية وإعلام (حكومة بورتكيزان) المكلفان “حسين عوض وجراهام بن أبيه”، حيث قال الأول، بعد أن أعلن النصر المؤزر، واتبعه بالدعوة إلى الاستعداد لحكومة مؤقتة قريبًا تُجهّز لانتخابات عامة. عاد بعد ثوانٍ من ذلك إلى دعوة “جميع السودانيين إلى التكاتف والوقوف خلف القوات المسلحة ودعمها لعبور هذه المرحلة بعزة وشرف”، فأربك المشهد وقصم ظهر مؤتمره الصحفي. فقد وضع الحضور في حيرة من أمرهم، وتساءلوا: هل نستعد لانتخابات الكيزان أم نتهيأ للوقوف خلف مليشيات الكيزان حتى تعبر بنا “بعزة وشرف”؟!
الكيزان يسابقون الوقت لكي يفرضوا واقعًا سياسيًا جديدًا. هذا الواقع الخيالي يقوم على افتراضات حالمة قائمة على أكاذيب هم أنفسهم من قاموا بتأليفها، بأن (قحت) هي من أشعلت الحرب، وأن (تقدّم) هي الجناح السياسي للدعم السريع، وأن جنود الدعم السريع قد فرّوا إلى تشاد بعد قصف طائرات (أولاد بمبة). ولا عجب في كذبهم، فهذا دينهم وديدنهم، ولكن العجيب والغريب أنهم يصدقون الأكاذيب التي يطلقونها، هم وبلابستهم، مثل البلبوس “محمد جلال هاشم”، الذي بلغ مبلغًا بائسًا في الوهم والشطط، جعله يذهب بعيدًا جدًا، ويتدحرج من محطة إصابة “حميدتي” التي أدت إلى وفاته إلى محطة إصابته التي أدت إلى خلل عقلي جعلت حميدتي يعيش الآن شبه مجنون. وهو شأو لم يبلغه الكيزان أصحاب الحيلة والرصة والمنصة (منصة الأكاذيب والخداع)، مما جعل البعض يشككون في قدرات محمد جلال العقلية وليس قدرات حميدتي، ويبصقون على منهج تحليله “الخَرائي”. بل ذهب البعض إلى معايرته بما كان قبل هذه الحرب عيبًا أن يعاير به السوداني شخصًا آخر، وكانت الإعاقة خطًا أحمر كبيرًا لا يمكن تجاوزه. كان ذلك قبل أن نرى أبناء البراء والضراء والخراء، وهم يذبحون البشر ويسلخونهم ويبقرون بطونهم ويمضغون أكبادهم، في توحش وفظاعة لا تليق بالبشر، لم ترد في كل تاريخ الحروب الدينية والعرقية المتوحشة حديثًا، حتى في حروب جيوش داعش والنصرة ورواندا.
ومن المؤكد أن من شاهد وعاش مثل هذه الأجواء المليئة بالفظاعة والوحشية والدماء، لا يُسأل إذا لم يراعِ ذوقًا أو حساسية، أو أن يعيب الأعور بعوار عينه، أو يعيب صاحب الرجل الواحدة بقطع رجله الأخرى. إلى درجة أن أحد أصدقائي، وهو مثقف حاذق كامل الثقافة بلا “شو” أو ادعاء، كان من زمرة المخدوعين في محمد جلال ومنهج تحليله (الثقافي) سابقًا، الذي فضحته الحرب وفضحت صاحبه كما فضحتنا جميعًا. أصبح هذا الصديق يطلق على محمد جلال هاشم لقب “واسيني الأعرج”، ليس تشبّيهًا له بصاحب الاسم الروائي الجزائري العالمي، بل سخرية منه في العرج الذي أصابه بعد قطع رجله إثر رائش قذيفة من قذائف هذه الحرب التي كان ولا يزال يبشر بها لتطرد له “عرب الشتات” إلى موطنهم الأصلي في تشاد، النيجر ومالي. فالسودان، بحسب تحليل صاحب منهج التحليل الكيزاني البائس، هو أرض قبائل الشمال زائد أهله النوبيين، ولا بأس من القبول بقبائل البجا (العبيد الجدد) إلى حين إبادتهم أو طردهم إلى الشتات الذي أتوا منه: إريتريا، إثيوبيا وربما الصومال وجيبوتي. فيخلو المناخ لكيزان الشمال ويعيشوا وسط (من يحبونهم) في ثبات وتبات ونبات!
من قال إن هذه الحرب كلها شرور؟ هذه الحرب نستحقها وتستحقنا، وقد كشفتنا أمام أنفسنا جميعًا، وشخصيًا صار لا شيء يضحكني أكثر من وصف صديقي لمحمد جلال هاشم بـ”واسيني الأعرج”، وأخشى ما أخشى أن تذهب بنا صدمة التوحش الكيزانية أبعد من ذلك، ونسخر من البلبوس الكريه “جعفر خضر” الذي أنفق عمره (الثوري) كله في بث الفرقة والكراهية بين الناس، والذي لو أنفق ربعه في وحدتهم وحبهم، كان أقله سيتعلم أن العالم قد تجاوز مرحلة “البدالّ” اليدوي لعجلة الإعاقة، وإن الحياة بلا كراهية أسهل وأجمل مما يتصور!
لا تؤاخذونا، نحن من رأينا سلخ الكيزان لأخينا الإنسان!
محمد جلال هاشم بداخله “كوز” كبير كان ينتظر تحول البلاد إلى مستنقع للمياه الآسنة حتى يغرف ويبل به ريقه الناشف بفعل الكراهية، ويدلق ما تبقى منها صوبنا لتلويثنا بقذارته وعفونة كيزانه وإخوته في الكراهية والعنصرية، ولا أستثني منهم هنا الكوز الكريه “عبد المنعم الربيع”، والتحريض على الكراهية منبعها واحد!
محمد جلال ليس لديه مشكلة في أن يكون لأهله نوبة الشمال امتدادات قبلية حدودية مع مصر، من أسوان وحتى الإسكندرية، يحملون جنسيتها مع جنسيتهم السودانية، ويتعاملون كمصريين في القاهرة كما تعاملهم كسودانيين في الخرطوم. وليس لديه مشكلة مطلقًا أن يحمل أهل الشمال جنسية مصر مع جنسيتهم السودانية. وشخصيًا تفاجأت بعد هذه الحرب بالكم الهائل من السودانيين – آلاف – من غير النوبيين، الذين لديهم جنسيات مصرية مع جنسياتهم السودانية. كل هؤلاء عادي و”زبادي” عند محمد جلال وينبسط لهم (أوي أوي)، أما الرزيقات والبني عامر وغيرهم ممن هم خارج مثلث حمدي (دقق في اسم حمدي)، فهم بالنسبة لمحمد جلال وكيزانه وإخوته في الكراهية والعنصرية، تجمعات شتات يجب أن تعود إلى تشاد، مالي، النيجر، إريتريا… إلخ. وهذه الفكرة العنصرية الحقيرة أصلها ومنبعها كيزاني بحت، لا علاقة لها بسكان شمال السودان، حتى شمس الدين الكباشي، وهو تربية كيزان (بنجوز) من نوبة الجبال، يتفق تمامًا مع محمد جلال في هذا الشأن!
وللمفارقة – فإن قيادة الجيش الكيزانية العنصرية الحالية، جميعهم – وأولهم البرهان – محض (عبيد) عند قيادة دولة أخرى، وهم يعرفون ذلك، وراضون بعبوديتهم و(مبسوطين أوي)!
هل هذه الحرب كلها شرور؟ وهل نحن نستحق هذه الحرب أم لا؟