تظهر دلائل متزايدة على حدوث تغييرات كبيرة في مواقف الدول الإقليمية والدولية تجاه الأزمة في السودان. وفي الوقت الذي تم فيه الإعلان عن تأجيل زيارة المبعوث الأمريكي، توم بريللو، إلى بور تسودان في 17 أكتوبر الجاري، ربط المراقبون ذلك بقرب موعد الانتخابات الأمريكية في بداية شهر نوفمبر المقبل وانشغال الإدارة الأمريكية بضرورة تأمين فوز الحزب الديمقراطي الحاكم بفترة رئاسية جديدة.
أولويات البيان
في المقابل، تشهد المواقف الإقليمية تغييرات كبيرة ضمن الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، حيث أصدر مجلس السلم والأمن الأفريقي بيانًا بعد مناقشته تقرير وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي برئاسة مصر إلى بورتسودان خلال الفترة من 1 إلى 4 أكتوبر.
أكد البيان الذي تم اعتماده في اجتماع المجلس بتاريخ 9 أكتوبر 2024 على أهمية تنفيذ إعلان المبادئ الذي صدر عن منبر جدة، كما دعا إلى إخلاء منازل المواطنين وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية ورفع الحصار عن مدينة الفاشر.
أوصى البيان بإعادة فتح مكتب تمثيل الاتحاد الأفريقي في بورتسودان وبدء محادثات غير رسمية مع حكومة بورتسودان حول تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.
سارعت وزارة الخارجية السودانية إلى الترحيب ببيان مجلس الأمن والسلم الأفريقي استناداً إلى مبدأ “الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية”، وأعلنت توافقها مع الأولويات التي وردت في البيان، مما فسره الكثيرون على أنه خطوة أولى نحو إنهاء تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.
بيان غير متوازن
من ناحيته، اعتبر الدكتور بكري الجاك، المتحدث باسم تنسيقية “تقدم”، أن البيان يفتقر إلى التوازن وأنه يسعى بشكل متسرع لمنح الشرعية لسلطة بورتسودان من خلال وصفها بالحكومة.
وانتقد عدم تناول البيان للانتهاكات الواسعة التي تقوم بها القوات المسلحة، وتركيزه فقط على انتهاكات قوات الدعم السريع.
تزامنت التغييرات في مواقف الاتحاد الأفريقي مع مستجدات في موقف منظمة الإيقاد تجاه أطراف الأزمة السودانية بعد زيارة وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف إلى بورتسودان في 14 أكتوبر 2024.
يتولى الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر قيلي، الرئاسة الدورية لمنظمة الإيقاد، لذا اعتبرت تصريحات مبعوثه إلى السودان بمثابة مواقف تمثل المنظمة.
انحياز للقوات المسلحة
أبرز ما جاء في تصريحات وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، هو وصفه للحرب بأنها “مفروضة على السودان من قبل التمرد”. كما هنأ القوات المسلحة ببوادر تحقيق الانتصار، وأكد أن السودان سيستعيد قوته في الساحة الإقليمية من خلال منظمة الإيقاد.
أثارت هذه التصريحات تساؤلات حول انحياز الإيقاد كوسيط لأحد أطراف النزاع، مما يقلل من كفاءتها.
من الواضح أن هذه المواقف والتصريحات الجديدة تُعتبر جزءًا من جهد إقليمي شامل يتبنى نهجًا جديدًا تجاه الأوضاع في السودان، بدءًا من الاجتماع الثلاثي في أسمرة الذي جمع بين مصر وإريتريا والصومال، بالإضافة إلى موقف مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي يطالب بإعادة فتح مكتب الاتصال التابع للاتحاد الأفريقي في بورتسودان، رغم استمرار تجميد عضوية السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 ورفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بسلطة الانقلاب.
لحظة تحول في المواقف
وفي تعليقها على هذه التطورات، اعتبرت الدكتورة أماني الطويل، المستشارة لشؤون إفريقيا في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن هذه اللحظة تعد نقطة تحول في توجهات الأطراف الإقليمية تجاه الأزمة السودانية.
وأشارت في حديثها لراديو دبنقا إلى أنه كان من الشائع أن تسعى الدولة التي تم تجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي إلى استعادة تلك العضوية، ولكن ما نشهده الآن هو دعوة من الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد لتنشيط عضوية السودان.
وأوضحت الطويل أن هذا الأمر يعد تمهيداً للدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي في الأزمة السودانية، وهو دور متوقع ومنسق مع الدول والأطراف الإقليمية الأخرى.
وتمت الإشارة إلى التصريحات التي أطلقها رئيس إيقاد ضد قوات الدعم السريع على أنها تحول كبير، حيث كانت هناك مواقف سابقة من إيقاد تدعم أو تؤيد هذه القوات، بحسب وصفها.
تعديل التوازنات العسكرية
وأكدت الدكتورة أماني الطويل في تصريحها لراديو دبنقا أن هذا يعد تحولاً كبيراً وكان متوقعاً، مشيرة إلى أن إدانة الدعم السريع مرتبطة بحجم الانتهاكات التي قامت بها هذه القوات، والتي تعتبر انتهاكات واضحة ومرفوضة من قبل أطراف دولية.
فيما يتعلق بإمكانية قبول الجيش العودة إلى مائدة التفاوض بعد هذه المستجدات، أكدت أنه يجب العودة إلى الحوار مهما طالت المدة، وأن التفاوض ضروري للتوصل إلى تسوية في السودان.
وقالت إن الشيء المهم الآن هو توقيت هذا التفاوض والظروف العسكرية القائمة على الأرض في إطار هذا التفاوض.
كل النزاعات تسوى على مائدة التفاوض
وأشارت مستشارة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية إلى أن الظروف العسكرية على الأرض ستحدد موعد بدء المفاوضات، وأن الجيش السوداني يدرك ذلك تمامًا، وأن أي نزاع على الأرض، سواء كان في السودان أو في أي مكان آخر، يتم حله من خلال المفاوضات.
أعربت عن اعتقادها بأن نجاح الجيش في تحسين الوضع العسكري لصالحه سيكون من بين العوامل التي تعزز اتخاذ قرار سياسي بالعودة إلى المفاوضات وفقًا للجدول الزمني الذي ستحدده القوات المسلحة.