بدون زعل
عبد الحفيظ مريود
مع كلّ التوضيحات التى قدّمها حسن التّرابىّ، كان على عثمان محمّد طه، يدبّرُ – ليلاً – مع نافع على نافع، مدير جهاز الأمن، ونائبيه، مطرف صدّيق وقطبى المهدى، محاولة اغتيال الرئيس المصرىّ الأسبق، محمّد حسنى مبارك، فى أديس أبابا، حيث تنعقدُ القمّةُ الإفريقيّة، عام 1995م. كانَ الثلاثةُ يأملون أنْ يحدثوا اختراقاً كبيراً فى الملف المصرىّ، وإزالة المتاريس التى كانت تضعها مصرُ أمامهم، على الصّعيدين الإقليمىّ والدّولى. ومن الصّعب نسيان السّخرّيات التى كان يطلقُها الرئيس حسنى مبارك على السُّودان.
لكنَّ التوضيب كان ضعيفاً. فشلتِ المحاولة فى لحظتها. ذلك أنَّ المخابرات المصريّة كانت قد اخترقتْ تدبير الرّجال الثلاثة. فزعوا، بعدها، إلى شيخهم. ومن ثمَّ علِمَ الرئيس عمر البشير بالأمر. وضعتْ مصرُ يدَها على ملف ثقيل. “جرّتْ جوكر”، و صارت “قافلة” على “غطا عام”. تحرّكتْ إلى مثلث حلايب، واحتلّته. ذهب ضبّاط وأفرادٌ من الشّرطة السّودانيّة شهداء، برصاص الجيش المصرىّ، لم يعُدْ أحدٌ يتذكّرُهم.
شايف كيف؟
هل “حشّرتْ” مصرُ للإنقاذ، والسّودان، لحظتئذٍ، وحتّى تاريخ كتابة هذه السّطور؟
ذلك مؤكّد.
لكنَّ السؤال:
كيف لمصر التى ظلتْ تُعادى السُّودان منذ بدء الخليقة، وتعادى الانقاذ منذ مجيئها وحتّى سقوطها فى 11 أبريل 2019م، أنْ تتحوّلَ تحوّلاً دراماتيكيّاً هائلاً، إلى صديق يحتضنُ ذات أعداء الأمس، ويفتحُ لهم أراضيّه، يعينهم فى المحافل جميعاً، ويقاتلُ إلى جانبهم فى “معركة الكرامة” البائسة؟
فهل فى “الكأس شيئاً أنالُه؟ فإنّى أغنّى – منذُ حينٍ – وتشربُ”؟
وكيف تأتّى للحركة الاسلاميّة، والتى هى حركةٌ “أصوليّة” أنْ تلتمس عوناً من النّظام الذى نكّل بإخوانهم، وانقلب على شرعيّة ديمقراطيّة، جاءت بمحمّد مرسى رئيساً، ليموتَ فى السّجن؟ هل تفكّرُ الحركةُ “أصوليّاً”؟ أمْ أنَّ قيادتها المعروفة، قد استنهضتْ حسَّ البوّابين وسارعتْ لأنْ تعودَ أدراجَها، مجرّد قبائل “على استعداد – بشكلٍ دائم – للعمل تحت إمرة أىّ مخدّمٍ لها”، كما وصفها هارولد ماكمايكل، وصفاً دقيقاً، ذات يوم؟
شايف كيف؟
تكمنُ الزّبدةُ فى أنَّ مصر بعد ثورة ديسمبر فى السّودان لطالما صرّحتْ، السيسىّ شخصيّاً، بأنّها تقف مع الجيش باعتباره من “أعرق وأرسخ الجيوش الإفريقيّة”. وهى إذْ تفعلُ ذلك، تعرفُ أنَّ الثورة ستعملُ على وضع الجيش فى موضعه الطبيعىّ. وهو أمرٌ سيعرقلُ استمرار مصر فى حلب البقرة المكتنزةِ الضروع. ومع أنَّ د. أمانى الطويل أكّدتْ أكثر من مرّة أنَّ الجيش يسيطر على قيادته الإسلاميون، إلّا أنّ مصر لا تجدُ بأساً فى ذلك. لأنّها تعرفُ جيّداً أنّها تمسكُ الإسلاميين من حيث لا يستطيعون حراكاً، بعيداً عنها. إلى جانب أنّها باتتْ تعرفُ التحوّلات العميقة التى حدثتْ فى جسد الإسلاميين، فى أعقاب سيطرةٍ جهويّة على القيادة، من الفئة التى “تعمل تحت إمرة أىّ مخدّم”، وهى طامعةٌ فى الاستحواذ على الحكم، مرّةً أخرى، لتنخرَ ما تبقّى من جسد البلاد.
شايف كيف؟
الجيش هو المؤسّسة الأولى الحامية لسيطرة النّخبة السّودانيّة، وليس السودان أو السّودانيين. وبالتّالى، فإنَّ النّخبة ستكون – بشكلٍ طبيعىّ – مصطفة وراءه، فى اىّ تهديد لمصالحها. مصر تعرف تكوين وعقلية هذه النّخب. وتعرفُ كيف يسيلُ لعابها إذا ما لُوّحَ لها بالمساعدة فى الحفاظ على مكانتها من تهديدات سياسيّة أو أمنيّة، عبر الثورات أو الانقلاب أو الحركات المسلّحة الكاسحة.
حسناً…
سأفصّلُ – بالتأكيد – فى مسألة دخول الطيران المصرىّ فى الحرب، حين وضح للجميع أنَّ جيش سناء حمد، وكتائب الاسلاميين عاجزة عن الدّفاع عن مقرّاتها. فالطائراتُ التى تمَّ إسقاطها منذ بدء الحرب 67 طائرة. فضلاً عن التى دُمّرتْ فيما هى رابضة. سأفصّل فى نوعيّة الطائرات التى تضربُ منذ بعض الوقت فى دارفور، الجزيرة، كردفان، الخرطوم، مستهدفةً البنية التحتيّة، والمواطنين العزّل. وعن تواشج المصالح بين الإسلاميين، مصر، الجيش لإعادة عقارب السّاعة إلى الوراء، فى محاولة هى خارج شروط التأريخ، لاستعادة سودان قديمٍ، تُعَدُّ عودتُه ضرباً من المستحيل.