مقدمة:
منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، شهد السودان سلسلة من الأحداث المأساوية التي أثرت بشكل مباشر على المدنيين، خاصة في دارفور وكردفان. من بين أبرز هذه الانتهاكات، جاء استخدام الجيش للطيران الحربي ضد المناطق المدنية، تحت مزاعم أنها (حواضن اجتماعية) لقوات الدعم السريع. هذا النهج لم يؤدِ فقط إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا وسط المدنيين الأبرياء، بل ساهم في تعميق الأزمة الإنسانية وزيادة الانقسامات والتوترات العرقية، مما يهدد بتحول الحرب إلى حرب عرقية شاملة طويلة الأمد.
استراتيجية القصف الجوي:
لا يبدو أن القصف الجوي الذي يقوم به الجيش يستهدف مدنًا وقرى في دارفور وكردفان قصفًا عشوائيًا، بل يبدو أنه جزء من استراتيجية عسكرية تهدف إلى ضرب المناطق التي يرى الجيش أن مكوناتها الاجتماعية تعتبر المخزون البشري الرئيسي لقوات الدعم السريع. ومع ذلك، فإن هذا التبرير يثير العديد من التساؤلات حول أخلاقيته وشرعيته، حيث يتم استهداف تجمعات سكنية واقتصادية ومدنية واسعة لا علاقة لها بالنزاع المسلح. إذ أن المستشفيات، والأسواق، والبنية التحتية الأساسية أصبحت أهدافًا مباشرة لهذه الهجمات، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في المناطق المتضررة.
انعكاسات القصف على السلام الاجتماعي:
استهداف ما يُسمى “الحواضن الاجتماعية” لقوات الدعم السريع لم يكن مجرد إجراء عسكري، بل أدى إلى نتائج كارثية على مستوى السلام الاجتماعي. فاستهداف المدنيين استنادًا إلى العرق والمناطقية وتواجدهم في مناطق معينة يعزز الشعور بالاضطهاد والكراهية، ويدفع المجتمع نحو مزيد من الانقسام العرقي.
وسائل التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص، أصبحت منصات للكراهية لبعض الأصوات الداعمة للحرب، وتدعو إلى تصعيد العنف ضد مجموعات عرقية بعينها، مما يزيد من حدة خطاب الكراهية والانقسام.
التاريخ يعيد نفسه:
هذا النوع من الاستهداف ليس جديدًا في السودان. خلال الحروب السابقة في دارفور وجبال النوبة، استخدم الجيش السوداني نفس الأساليب لقصف المناطق المدنية. لكن الفرق هذه المرة يكمن في اتساع نطاق العمليات وشدتها، حيث يتم الآن استهداف تجمعات كبيرة للسكان والأسواق الأسبوعية، كما حدث في أسواق مدينتي (الكومة) بولاية شمال دارفور و(حمرة الشيخ) بولاية شمال كردفان. هذه الضربات الجوية المقصودة تهدف إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية، بغض النظر عن الانتماءات أو المواقف السياسية للسكان.
القصف والتوترات العرقية:
مع تصاعد الضربات الجوية على المدنيين، باتت التوترات العرقية في دارفور وكردفان تتزايد بشكل ملحوظ. الشعور بالاستهداف على أساس عرقي أو جغرافي يؤدي إلى زيادة مشاعر العداء والانتقام بين المكونات الاجتماعية.
هذه الديناميات العنيفة قد تؤدي إلى تحول الصراع العسكري الحالي إلى حرب عرقية شاملة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويصعّب من جهود المصالحة الوطنية في المستقبل.
القصف وآثاره السلبية على الجيش:
من الناحية العسكرية، يبدو أن الجيش يستخدم القصف الجوي كبديل لفشله في تحقيق تقدم ميداني ملموس ضد قوات الدعم السريع في تلك المناطق. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لم تُحقق الأهداف المرجوة، بل زادت من الاحتقان الشعبي، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية. فبدلاً من إضعاف الدعم السريع، قد يدفع هذا القصف المزيد من الشباب إلى الانضمام إلى صفوف قوات الدعم السريع للثأر من الجيش، كما يحدث هذه الأيام حيث تنضم مجموعات كبيرة من شباب تلك المناطق إلى صفوف (الدعم السريع)، بعد نداء المليون مقاتل الذي أطلقه قائدها (حميدتي). أو ربما يؤسسون مجموعات مسلحة منفصلة مما يساهم في توسيع العنف وطول أمد الحرب.
القانون الدولي والانتهاكات الإنسانية:
القصف الجوي على المدنيين يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يجرّم استهداف المدنيين خلال النزاعات المسلحة. المنظمات الحقوقية الدولية عبّرت عن قلقها العميق من استمرار هذه الهجمات، مطالبة بضرورة وقف فوري لاستهداف المناطق المدنية، ومع ذلك، يبدو أن الأطراف المتحاربة في السودان تتجاهل هذه الدعوات، مما يفاقم من الأزمة ويزيد من آثار الكارثة الإنسانية.
الخاتمة:
في ظل استمرار القصف الجوي للجيش على المدنيين في دارفور وكردفان، تبدو آفاق الحل السلمي للأزمة في السودان بعيدة المنال.
إن استهداف المدنيين، وخاصة في المناطق التي يُنظر إليها على أنها (حواضن) لقوات الدعم السريع، لا يسهم سوى في تعميق الانقسامات الاجتماعية والعرقية، ويهدد بتحول الصراع إلى حرب عرقية طويلة الأمد. لتحقيق سلام دائم في السودان، يجب على الأطراف المتحاربة التخلي عن السياسات العسكرية التي تستهدف المدنيين الأبرياء، والبحث عن حلول سياسية شاملة تعيد بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوداني المختلفة.