منعم سليمان
بعد أن قدّم خالد عمر يوسف (ممثل) القوى الوطنية والديمقراطية في برنامج أحمد طه بقناة الجزيرة مباشر أمس، مرافعة منضبطة وقوية ومنطقية، شعر محمد سيد أحمد (الجاكومي) بالهزيمة الساحقة قبل أن يُمنح مداخلته، وقبل أن ينبس ببنت شفة، فقرر الانسحاب بحجة واهية تشبه حجة (ظلم التحكيم) بالنسبة لمشجعي كرة القدم.
الجاكومي، الذي ادعى أمس أن أحمد طه لم يعطه وقتاً كافياً قبل أن يبدأ مداخلته، وقرر الانسحاب، هو رجل متطفل على السياسة انتزعه جهاز الأمن في عهد المأفون “صلاح قوش” من مساطب مشجعي كرة القدم، وأوفده لاختراق جبهة الشرق التي وقعت اتفاقية أسمرا في ذلك الوقت، ليؤسس جسماً سياسياً اسمه كيان الشمال. ومنذ ذلك الزمان، وهذا الصعلوك ينتشر ويتمدد في الفضاء السياسي، فيدعي أنه ممثل الجيش، كما قال أمس، ثم ادعى أنه ممثل ما يسمى بالكتلة الديمقراطية. ويستحق الجيش والكتلة الإنقلابية أن يمثلهما الجاكومي ويمثل بهما خير تمثيل، ويهين ماء وجه البلابسة ويسفحه في فضائيات العالم.
صحيح، لم يقل “خالد عمر” في مداخلته إنه ممثل القوى الوطنية الديمقراطية أو أي شيء من هذا القبيل، لكنني شخصياً نصبته في هذا الموقع في تلك اللحظة، خصوصاً بعد أن اعترف الجاكومي بأنه ممثل الجيش والبلابسة، ولا يأتي من الجيش إلا عاهات، سريعاً ما يهزمون أمام الحوارات الراقية والقوية، خصوصاً إذا كانوا من الانحطاط بمكان الجاكومي وأمثاله من صعاليك السودان الذين تسللوا إلى الفضاء العام على حين غرة من الشعب، فأهانوه وأهانوا التاريخ الناصع للسياسيين السودانيين، ومرغوا أنفه في التراب حين أصبحوا موضع سخرية العالم وتندره.
إن الذين رفعوا هذا البلطجي درجات حتى يتحدث في أمور العامة، هم قادة الجيش نفسه، وهم أنفسهم من عطنوا الفضاء السياسي (بالعفونة) وبثوا فيه هذه الروائح الكريهة، فحملتها الريح إلى الفضاء العام، وأصبح الجميع يسدون أنوفهم كلما رأوا سياسياً أو خبيراً عسكرياً بلبوسياً يتحدث إلى الفضائيات.
رغم أنني أجد نفسي مسروراً من هذا الاختيار الموفق للبلابسة والجيش، بأن يكون المتحدث باسمهم – على الأقل في برنامج أحمد طه – هو الجاكومي، إلا أنني حزين على بلدي الضاج والفائض بالسياسيين والإعلاميين والمحللين المحنكين والمؤهلين، بغض النظر عن من يمثلون، ورغم ذلك يتسلل الدهماء والغوغاء والهوجاء إلى الفضاء العام ويتحدثون عن الشأن العام، فيما مكانهم الصحيح هو (الإصلاحيات) ومراكز تقويم السلوك والتربية.
قلبي على وطني، وليس على البلابسة – فهؤلاء عليهم اللعنة – ويستحقون أن يمرمط هذا البلطجي الصعلوك سمعتهم، فمثله لا يتجاوز أفقه وخياله ومعرفته حدود المدرجات الشعبية وحوارات الهلال والمريخ المتشنجة. فماذا يُرجي من (خايب الرجاء) عندما يتم انتزاعه من كاره ويوضع مباشرة أمام تحدٍ سياسي فيه جدل وحجة ومنطق؟ بالتأكيد سوف يتحسس أدواته المعرفية فلا يجدها، ثم يتحسس أدواته العنفية فلا يجدها أيضاً لأنه تركها خلفه في تلك المدرجات، فيجد نفسه خالي الوفاض واليدين، وينسحب ذليلاً مكسوراً حسيراً.
هل لاحظتم أنه كان يتحدث مع مقدم البرنامج بنبرة (السوق الشعبي)، وبلهجة الحارات الشعبية في قاع المدينة؟ إنه ممثل مناسب، بل مثالي، لهؤلاء الرجرجة الذين أدخلوا السودان وشعبه في هذه المعمعة التي لا قبل له بها، وما قادة الجيش الذي قال إنه يمثله بأفضل منه، والطيور على أشكالها تقع، وقد قال أحد قادته أمس الأول، وهو فاسد وصعلوك ومائع، على طريقة كيد النساء، إنهم “مبسوطين آوي”!