لم يكن من المتوقع أن يتحول صراع الشعب السوداني مع عصابة الحركة الإجرامية المتمسحة بمسوح الدين منذ انقلابهم المشؤوم في الثلاثين من يونيو للعام 1989، من مرحلة الثورة السلمية إلى الصراع المسلح الداخلي، ليتحول بعد عام ونصف فقط إلى صراع إقليمي، بفعل تحالفات الإخوان مع عدد من الأنظمة العربية الموروثة من عقود حكمهم الثلاث. لكن التفسير، يكمن في معرفة ماهية “الحركة الإسلامية” أو “الإخوان المسلمين في السودان”، واختلافهم حتى عن بقية الأحزاب الإخوانية في الإقليم والعالم.
وقد يتعجب المرء مثلاً من كيف أن النظام المصري يعدم الإخوان في مصر دون محاكمة، لكنه على استعداد للتورط في قصف المدنيين السودانيين بالطيران، خدمة للإخوان ونظامهم في السودان، رغم ما قد يجره عليه ذلك من حرج!، لكن وبنظرة واقعية بسطية للمعادلة، تجد أن لا علاقة بين “إخوان مصر”، و”إخوان السودان”، على الرغم من تشابه التسمية. فأنت قد تجد عدداً كبيراً من الإخوان في مصر، هم أهل ورع ودين حقيقي، باحثين عن الحق حتى وإن ضلوا عنه السبيل، بينما قل أن تجد مثل هؤلاء بين “إخوان السودان”، من الملتحين القتلة. بل تجد أن الدين عند إخوان السودان لا يعدو كونه “مطية” للدنيا، وقد كشفوا أنفسهم بأنفسهم بعد أن تتبعوا عورات الناس بقانون النظام العام، فتتبع الله عوراتهم حتى فضح نائب والي ولاية منهم، يزني في نهار رمضان بأربعة من سيئات الحظ ،تمت محاكمتهن دون الوالي في حادثة مشهودة، لا زالت عالقة بالذاكرة، هي وحادثة شراء الجنس مع العذارى، التي انتشرت بين إخوان السودان في سنوات حكم البشير الأخيرة، وضجت بها ساحات المحاكم.
خصوم إخوان مصر هم النظام المصري وحلفاؤه، لكن خصوم “إخوان السودان” هم المواطنين السودانيين، وما رفض البشير لمجانية العلاج في مستشفى إيطالي خيري بسوبا، واشتراطه على أن يدفع مواطنه الرسوم مقابل الخدمة، إلا نذر يسير، مما يمكن التدليل به على عداوة إخوان السودان – المفرطة – للسودانيين.
وبالرجوع لنشاط “إخوان مصر” في عهد الرئيس الأسبق “حسني مبارك”، تجد انه ينحصر في “الجمعيات التعاونية”، وأسعار المواد الغذائية المخفضة فيها للمواطنين بحصص معلومة، وكذلك تقديم العلاج المجاني، في محاولة لاستقطاب الناس لحزبهم، بينما تخصص إخوان السودان في نهب المساعدات الإنسانية وسرقتها، والضغط على المواطنين بكافة السبل، وكأن بينهم شئ من حقد قديم، وظلوا يعاملون المواطنين كأعداء لعقود ثلاث أذاقوا فيها الشعب الأمرين .
وبنظرة سريعة لمواقف إخوان مصر من الجدل حول الجزيرتين على البحر الاحمر اللتين ذهبتا للسعودية بعد اتفاق ثنائي مع مصر، كان موقف إخوان مصر الرافض للتفريط في “التراب الوطني”، على نقيض موقف “إخوان السودان”، الذين قدموا حلايب وشلاتين لمصر على طبق من ذهب، وهم يرتجفون رعباً من ردة فعل مصر على محاولة اغتيال رئيسها، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وكان الراحل الترابي قد علق على رعبهم ذاك في برنامج شاهد على العصر على قناة الجزيرة قائلاً وهو يضحك:(رعب رعب – يكرر الكلمة – كانوا مرعوبين عنما أتوا إلينا، وأخبرونا بكل شئ، وللأسف قتلوا كل من شارك أو كان على علم بالعملية، هم أرسلوهم – يضحك – وحينما نفذوا أوامرهم عمدوا إلى قتلهم، وسكت الإخوان، لأن الذي تولى كبر الأمر – أي أمر محاولة اغتيال مبارك – كان عزيزاً بينهم).
تحالف أي عدو للسودان مع إخوان السودان منطقي، بل ويعمل. كونهم جمعوا شروط العمالة من طرفيها، فمن ناحية لا علاقة لهم بالدولة ومؤسساتها، بل عمدوا إلى تخريبها، وتجربتهم ماثلة للعيان، وتغني عن كل بيان في مشروع الجزيرة والنقل النهري وسودانير وغيرها، ولا علاقة لهم بالتدين كذلك، كونهم أكثر من نشر التشيع في السودان عبر المستشارية الثقافية الإيرانية، وكانوا أكثر الناس حظاً من الفضائح الجنسية، وانتشر في عهدهم ضلال الشيوخ واغتصابهم لأطفال الخلاوي، ورياض الأطفال، وزادت نسبة الإلحاد وسط شباب الإخوان أنفسهم بصورة غير مسبوقة، بحسب اعترافهم في منبر مشهود.
ويعتمد الإخوان الفساد المالي كمنهج حياة، إذ لا مانع لدى الإخواني أن يدخل جيبه الفتات، مقابل أن تخسر الدولة المليارات والأمثلة في ذلك لا تحصى ولا تعد، خاصة في المشاريع التي تمول بالقروض، فهم لصوص باختصار، ويمكنك بالطبع التوصل مع اللص لأي صفقة بسهولة، وبغير عناء.
أما الجزع الذي دفعهم للتنازل عن أراضي تابعة للسودان حتى تاريخ تسلمهم الحكم، وكانت تجرى فيها الانتخابات السودانية وتتواجد فيها الشرطة السودانية حماية لرقابهم، فهو دليل دامغ على أنهم على استعداد لبيع السودان بما فيه، حماية لرقابهم.
ومن كل ما سبق تجد أن التحالف المصري مع إخوان السودان منطقي، بل ويخدم المصالح المصرية لأقصى درجة ممكنة، كونه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، أما التحالف المصري الأريتري الصومالي والذي ظهر فيه رؤساء الدول الثلاث واضعين أيديهم فوق بعضها البعض، فهو دعوة صريحة لنشوء تحالف إفريقي مضاد تجد الدول التي يهددها تحالف مصر الثلاثي هذا، مجبرة عليه بطبيعة الحال.