علي أحمد
فليفسر المفسرون وليحلل المحللون كيفما شاؤوا، لكن خطاب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أمس، كان غير مسبوق. ليس لأنه تحدث عن الكر والفر في عملية “جبل مويا”، فهذا أمر عادي في الحروب والعمليات العسكرية، ولا يلتفت إليه إلا الفلول والبلابسة الذين يبحثون عن “أي شيء” ليحتفلوا به.
إذًا، ما الأهم في خطاب “حميدتي”؟ إنه كشف بشكل واضح وصريح ما يعلمه الجميع، حتى الكيزان والبلابسة الذين يفرحون ويهللون له، وهو مشاركة مصر في الحرب، بل مشاركتها في تدمير السودان وأحلام السودانيين قبل الحرب، وذلك بمساهمتها في تدبير انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أعاق مسيرة التحول الديمقراطي، ومشاركتها في التخطيط للحرب، وهذا ما لم يقله حميدتي، بل ألمح إليه بقوله إن كتائب الإسلاميين كانت تتدرب على التجهيز للحرب (حرب المدن) خارج السودان منذ العام 2019، وكان يقصد هنا مصر. وسنعود لاحقًا لنفصل في تفاصيل ذهابهم تحت غطاء مصابي الثورة!
إنه الكيد المصري العظيم!
قال حميدتي إن الطيران المصري شارك بفعالية ضد قواته في معركة مويا، وذلك من خلال القصف الجوي المستمر، وأشار إلى أن نفس الطيران المصري شارك في قتل جنود من الدعم السريع، حيث قصف في 15 أبريل 2023 معسكرًا للتفويج إلى اليمن والسعودية ضمن قوات التحالف.
وما وجهه قائد الدعم السريع من اتهامات مباشرة للطيران المصري بالمشاركة ضد قواته في الحرب ليس حديثًا عابرًا ولا خبط عشواء كما يظن “منجمو” التحليل السياسي، وإنما له ما بعده. فالرجل معروف بأنه “إذا تحدث فعل”، ويبدو أن مصر قد أصبحت أحد أطراف الحرب السودانية، وهذا أمر له تداعيات لاحقة.
وقال حميدتي: “صمتنا كثيرًا عن دور مصر في الحرب لكنها تمادت ودخلت المعركة بشكل فاضح”، وكشف أنها أمدّت مليشيات الإخوان المسماة مجازًا بالجيش السوداني بقنابل أمريكية، وأنه أبلغ مساعدة وزير الخارجية الأميركي “مولي” بالأمر منذ أكثر من عام.
وأشار إلى أن مصر منحت البرهان، خلال مفاوضات جنيف، طائرات حربية من طراز (K8) مزودة بمحركات أميركية. وذكر أن مرتزقة من أذربيجان وأوكرانيا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي “الإثيوبية” والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وإيران يقاتلون بجانب الجيش. ولكن الحرب ستظل كرًا وفرًا (وقد حررنا جبل مويا من قبل ولم نحتفل، والآن سنشرع في تنفيذ الخطة (ب)، بتجهيز مليون جندي)، وأبلغ ضباطه وجنوده الذين في إجازة بالتبليغ الفوري لوحداتهم.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن فصلاً جديدًا، أكثر شراسة وقوة من الحرب، سيبدأ، وأن أسلوب وخطط الدعم السريع ستتغير كليًا تبعًا لهذه المستجدات والمشاركة الأجنبية الواسعة في الحرب.
في الجانب الداخلي، اتهم حميدتي الحركة الإسلامية الإخوانية وحزبها المؤتمر الوطني بالسيطرة التامة على الجيش، وأنهما يسعيان لاستبدال الجيش بهيئة العمليات، وهي إحدى مليشيات الجماعة التي تدير المعركة.
وكشف حميدتي في خطابه أن ما تسمى المقاومة الشعبية ليست سوى مليشيا تتبع للحركة الإسلامية التي ارتكبت مجزرة فض الاعتصام، والتي نُفذت بأوامر من قائد الجيش نفسه. وتم إخفاء الأدلة في مقر الفرقة السابعة مشاة وفرقة الاستطلاع داخل القيادة العامة، بتوجيهات من البرهان.
وأكد قائد قوات الدعم السريع أن ما حدث في 15 أبريل 2023 ليس إلا انقلابًا للحركة الإسلامية عبر إغراق البلاد في فوضى شاملة، وقد أطلقوا معتادي الإجرام من كل سجون البلاد في ساعة واحدة. ونفى علاقة قواته باللصوص الذين يسرقون الممتلكات العامة والخاصة، مؤكدًا أنهم يحاربونهم بلا هوادة.
أمر آخر ذكره حميدتي أكثر أهمية – سنعود إليه في مقال آخر بالتفصيل- وفات على معظم المحللين، وهو أن كتائب البراء بن مالك كانت تتلقى تدريبات عسكرية في الخارج، وأن أسرى الكتيبة لدى قواته سجلوا اعترافات بذلك.
أمور وتفاصيل كثيرة استعرضها قائد الدعم السريع في خطابه، كانت هذه أهمها. لكن يمكننا تلخيص زبدة خطابه في قوله “الكيُّ والقرض النيء”، أي أن مرحلة من الحرب انتهت، ونحن الآن على عتبة مرحلة جديدة، أكثر شراسة وأطول زمنًا، وأن القادم سيكون نارًا تلظى، وستنتقل الحرب إلى أماكن أخرى في البلاد كانت آمنة خلال العام الماضي. والحرب ليست كلها شرًا، لو كنتم تعلمون.
هزم الله الكيزان وحفظ السودان.