مقدمة:
في تصعيد غير مسبوق للصراع في السودان، تتعرض العديد من المناطق المدنية لقصف جوي متواصل، يودي بحياة مئات المدنيين، خصوصًا من النساء والأطفال. وتعرضت مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة، عصر اليوم الاثنين 7 اكتوبر ، لغارة جوية على منطقة يسكنها مدنيون، أسفرت عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح، فيما تعرض سوق (الكومة) بولاية شمال دارفور، الجمعة الماضي 4 أكتوبر، إلى غارتين جويتين أسفرتا عن سقوط 90 مدنيًا بين قتيل وجريح. هذه الغارات الجوية المكثفة التي ينفذها الجيش السوداني أدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء، الذين لا علاقة لهم بالصراع الدائر ولا تربطهم أي علاقة عسكرية بقوات الدعم السريع.
ويأتي هذا التصعيد وسط تجاهل دولي لافت للنظر، ما يثير قلقًا واسعًا حول الوضع الإنساني في السودان وإمكانية تحول هذه الأعمال إلى حرب قبلية وإبادة جماعية.
القصف على أسس إثنية:
تفيد تقارير محلية بأن الغارات الجوية تستهدف مناطق وأسواقًا مدنية بناءً على الانتماء الإثني لسكان تلك المناطق. يتهم الجيش السوداني هؤلاء المدنيين بأنهم حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع، ويبرر قصف مناطقهم بحجة أنهم ينتمون إلى نفس المكون الاجتماعي الذي تتبعه هذه القوات. هذا الاستهداف على أساس إثني يثير مخاوف حقيقية من تفاقم الصراع إلى مستوى أخطر من الحرب الأهلية المعتادة، مع احتمال نشوء جرائم إبادة جماعية بحق فئات معينة من الشعب السوداني.
مشاركة مصرية مزعومة في العمليات العسكرية:
في ظل تعقيد الأوضاع، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو ومعلومات تفيد بأن الطيران العسكري المصري يشارك في القصف الجوي إلى جانب الطيران السوداني.
صفحات عديدة على منصات مثل (فيسبوك وتيك توك)، منها صفحات لمصريين، تشير إلى أن طائرات تابعة لسلاح الجو المصري تشارك بفعالية في تنفيذ هذه الغارات. فيما تؤكد مصادر أخرى أن غالبية الطلعات الجوية التي تُنفذ في السودان هي في الواقع بطائرات مصرية.
ويقول محللون عسكريون إن الجيش السوداني لا يملك هذا الكم الهائل من الطائرات لتنفيذ هذه الغارات الجوية العنيفة، ما يزيد من مصداقية هذه التقارير حول مشاركة مصرية في الصراع.
ومع ذلك، لا توجد حتى الآن تصريحات رسمية من الجانب المصري أو السوداني تؤكد أو تنفي هذه الادعاءات.
صمت دولي يثير الريبة:
رغم فداحة الوضع الإنساني وتزايد عدد الضحايا المدنيين، يلتزم المجتمع الدولي الصمت إزاء هذه الانتهاكات الخطيرة التي ترقى لكونها جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية.
لم تصدر المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بيانات قوية تدين هذه الهجمات، كما أن ردود الفعل الدبلوماسية تبدو غائبة أو محدودة.
من اللافت للنظر أيضًا غياب أي تصريح أو إدانة من المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، “توم بيريلو”، الذي اشتهر بتعليقاته المتكررة على مختلف القضايا السودانية. هذا الصمت غير المعتاد من شخص بحجمه ودوره في السياسة الأمريكية تجاه السودان يثير تساؤلات حول الموقف الأمريكي برمته، وهل هناك تواطؤ أم مجرد تجاهل للوضع المتأزم؟
الوضع الإنساني في تدهور:
على الأرض، تزداد معاناة المدنيين بشكل مأساوي. لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول عدد ضحايا الغارات الجوية حتى الآن، إلا أن تقارير الشهود العيان والمنظمات المحلية تشير إلى مقتل وإصابة المئات نتيجة هذه الغارات. المستشفيات في المناطق المتضررة متوقفة عن العمل، ولا أحد يتعامل مع الإصابات التي غالبًا ما تنتهي بالوفاة، في ظل غياب الكوادر الصحية والإمدادات الطبية والأدوية.
تُضاف هذه الكارثة الإنسانية إلى سلسلة من الأزمات التي تضرب السودان منذ بدء الحرب في 15 أبريل 2023، والتي تسببت في تشريد ونزوح ملايين من السودانيين داخل وخارج البلاد، كما أدت إلى تدمير البنية التحتية الأساسية، مما يفاقم من الأزمة الإنسانية الشاملة التي يعيشها السودان اليوم.
مطالبات بالتحرك الدولي:
في ظل هذا الوضع الكارثي، تتزايد المطالبات بضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف القصف العشوائي على المدنيين، والتحقيق في الاتهامات بمشاركة سلاح الجو المصري في العمليات العسكرية. كما يدعو ناشطون حقوقيون إلى ضرورة فرض ضغوط دولية عاجلة على الحكومة السودانية لوقف الهجمات الجوية ومحاسبة المسؤولين عن استهداف المدنيين.
ويبقى أمام هذا الوضع الخطير السؤال الأهم: هل سيبقى العالم صامتًا إزاء هذه المأساة الإنسانية التي تُرتكب في السودان؟ أم أن صوت الضمير العالمي سيتحرك أخيرًا لإنقاذ ما تبقى من أرواح بريئة قبل فوات الأوان؟
خاتمة:
في الوقت الذي يعاني فيه السودان من واحدة من أسوأ أزماته الإنسانية، يظل الصمت الدولي مقلقًا للغاية. تحتاج البلاد إلى دعم دولي عاجل لوقف هذه الانتهاكات المروعة وحماية المدنيين الأبرياء من القتل والتهجير. ومع استمرار الهجمات، يتزايد الضغط على المجتمع الدولي للتحرك بسرعة، قبل أن يتحول الصراع إلى كارثة أكبر من أي وقت مضى.