(تقرير : بوابة السودان)
في رد فعل على خطوات الجيش الذي أعلن اختياره للحلول العسكرية، أعلنت قوات الدعم السريع، أمس الأحد 29 سبتمبر، وقف أي تفاوض مع الجيش وقبولها بالتحدي العسكري الذي فرض عليها – وفقًا لوصفها.
يأتي هذا الإعلان بعد هجوم الجيش على قواتها في منطقتي “الكدرو” و”الجِيلي” شمال مدينة بحري – على بعد 50 كم من الخرطوم، فجر الجمعة 27 سبتمبر، والذي يعد الأكبر من نوعه منذ نشوب الحرب في 15 أبريل العام الماضي.
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في بيان أنها تصدت للهجوم المفاجئ وألحقت خسائر فادحة بقوات الجيش وحلفائه، وطاردته حتى مشارف مدينة شندي (المسيكتاب)، حيث دارت معركة شرسة هناك استطاعت قوات الدعم السريع حسمها لصالحها. وقد حصلنا على افادات ومقاطع فيديو عديدة تظهر الخسائر الكبيرة في الأرواح التي تعرضت لها القوات التي تقاتل تحت شعار الجيش، وغالبيتهم من كوادر الإسلاميين (كتيبة البراء وهيئة العمليات)، مع بعض القوات من الفرقة الثالثة مشاة – شندي، التابعة للجيش.
ورغم ذلك، لا تزال هناك حشود عسكرية في منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري، مما يشير إلى احتمالية تجدد القتال في تلك المنطقة قريبًا.
جاء إعلان قوات الدعم السريع بتعليق التفاوض مع الجيش على لسان المستشار “محمد المختار النور”، القيادي البارز في الجناح السياسي لقوات الدعم السريع وعضو وفد التفاوض، في تصريح مصوّر قال فيه: “ظللنا منذ بداية الحرب ننادي بالتفاوض والوصول إلى سلام مع الجيش، ولكن طالما أرادوها حربًا فلتكن كذلك، ونحن لها، ومنذ هذه اللحظة نعلن أنه لا تفاوض مع الجيش ومليشيات الإخوان”.
أسباب وقف التفاوض:
أعلنت قوات الدعم السريع أن قرار وقف التفاوض مع الجيش جاء نتيجة لما وصفته بـ”مخادعة الجيش وعدم جديته، واستخفافه بالحلول السلمية لإنهاء الحرب”. واتهمت (الدعم السريع) قيادة الجيش بالخداع والتحضير لفرض حلول عسكرية، مشيرة إلى التجهيزات العسكرية المستمرة من قِبل الجيش والهجمات الأخيرة، بما في ذلك تصريحات قائد الجيش التي قال فيها إنهم مستعدون للحرب لمائة عام، مما يجعل من المستحيل الاستمرار في أي عملية تفاوضية وسط هذه الأجواء الحربية – بحسب قولهم.
التداعيات على الصعيدين الداخلي والخارجي:
إعلان قوات الدعم السريع وقف التفاوض يأتي في وقت حساس، حيث تقوم جهات دولية وإقليمية بمساعي لإنهاء النزاع. وتقود الولايات المتحدة، السعودية، والاتحاد الأفريقي دورًا رئيسيًا في محاولات التوسط بين الطرفين، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق نتائج ملموسة. إضافة إلى أن تسريبات صحيفة “نيويورك تايمز” حول دعم بعض جهات الوساطة (السعودية) للجيش بالمال لشراء طائرات مسيّرة، وضعف المبعوث الأمريكي “توم بيرلو” واعتماده على وصفات مصرية في حلوله، رغم الاشتباه في تورط مصر في هذه الحرب بصورة مباشرة وانحيازها لصالح الجيش. كل هذه الأسباب، إضافة لعدم جدية الوساطة، ساهمت في فقدانها ثقة الجانبين المتصارعين، مما رجّح الحلول العسكرية على حساب الحلول السلمية والسياسية. وأيضاً ، وهو الأهم، فيما يخص جانب الجيش، يرتهن قراره للإسلاميين الذين يشكلون النسبة الأكبر في قيادة حربه، وهؤلاء بطبيعة الحال ليست لديهم مصلحة في وقف الحرب.
هذا التصعيد المفاجئ يزيد من معاناة الشعب السوداني، حيث أدت الحرب إلى توقف عجلة الإنتاج وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية، واستمرارها أطول من هذا يعقّد الأزمة الإنسانية التي وصلت إلى حدود المجاعة في أقصى مؤشراتها.
الموقف الإقليمي والدولي:
أعربت الدول المجاورة للسودان عن قلقها من استمرار الصراع، خشية أن تمتد الأزمة إلى حدودها، خاصة وأن أغلبها، إن لم يكن جميعها، دول هشة تعاني من أزمات سياسية واقتصادية كبيرة. كما تخشى من تدفق أعداد أكبر من اللاجئين.
أما المجتمع الدولي: (أمريكا، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، فبالنسبة لأمريكا، فان انشغالها بالانتخابات الرئاسية وشؤونها الداخلية يجعلها أقل تركيزًا على الأزمة السودانية. وأما الجهات الأخرى، فقد دعت في بيان الطرفين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات واحترام التزاماتهما تجاه الشعب السوداني، إلا أنه من الواضح أن هذه الأزمة ليست على قائمة أولوياتهما، خاصة مع النزاعات الكبرى الأخرى مثل النزاع الروسي/الأوكراني، والإسرائيلي/الفلسطيني (غزة)، مع احتمالية دخول لبنان إلى القائمة قريبًا.
مستقبل الأزمة السودانية:
مع تصعيد الجيش واختياره الحل العسكري، ورد فعل قوات الدعم السريع بإعلان وقف التفاوض، يبدو أن الطريق نحو حل سياسي شامل للصراع أصبح أكثر تعقيدًا. ومع استمرار العمليات العسكرية المرشح أن تستأنف بوتيرة أكثر عنفًا، تتزايد المخاوف من تحول السودان إلى ساحة حرب طويلة الأمد مثل الحروب الأهلية التي ظلت تشتهر بها القارة المنكوبة.
وبدون وجود حلول سلمية واتفاق سياسي يُسكت أصوات البنادق نهائيًا، ستستمر الحرب في استنزاف مقدرات البلاد، خصوصًا مع الأطماع التي ظهرت من بعض الدول القريبة والبعيدة، مما يفاقم من أوضاع الشعب السوداني ويؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الذي ربما يهدد المنطقة بأكملها.
خاتمة:
لجوء طرفي الحرب إلى الحلول العسكرية على حساب الحلول السلمية يمثل ضربة قوية للجهود السودانية (القوى الديمقراطية المدنية)، وكذلك للجهود الدولية الساعية لحل سلمي للأزمة. ومع تصاعد العنف واستمرار المعارك، يبدو أن السودان سيواجه مستقبلًا غامضًا مليئًا بالتحديات، تتهدد فيه وحدته واستمراره كدولة واحدة موحدة تحترم وتدير التنوع بكافة أشكاله وألوانه بطريقة ديمقراطية.
كما أن استمرار الحرب يشكل تهديدًا وجوديًا للشعب السوداني في ظل الأزمات الإنسانية التي يواجهها، كما يهدد ثرواته الطبيعية والاقتصادية، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين المتحاربين يساهم في وقف الحرب ويمهد لحكم مدني ديمقراطي يضمن استقرار السودان وتنميته بشكل عادل ودائم.