علي أحمد
مئات القتلى على جسري النيل الأبيض والفتيحاب من جانب القوات المهاجمة، قوات الفلول والمستنفرين المُغرر بهم، بمن فيهم قائد المتحرك الانتحاري العقيد ركن إبراهيم حسن راشد المنسوب إلى جماعة الإخوان المسلمين.
بجهدي الشخصي، أحصيت نحو 26 ضابطاً برتب مختلفة، لقوا حتفهم داخل الجسرين “الكُبريين”، دعك عن الجنود الذين ربما بلغوا عدداً كبيراً، مجرد إحصائهم سيسبب إحباطاً شديداً لزملائهم، لكن الجنود لا بواكي عليهم، إنهم محض أرقام لا أكثر ولا أقل.
خطط المجرم البرهان لهذه المعركة السياسية الانتحارية تزامناً مع وجوده على منصة الأمم المتحدة، حيث خطب في قاعة شبه خالية، وكان كمن يكلم نفسه، إذ لم يحضر خطابه أحد سوى الجهة المنظمة وبعض مناديب الدول الصغيرة وغير المؤثرة. لقد كان يُريد، إن نجحت العملية الانتحارية، أن يرسّخ صورة ذهنية مغايرة لدى المنظمات الدولية والدول الغربية بأنه جنرال قوي بإمكانه استعادة السيطرة العسكرية على الدولة وفرض الأمن والنظام بالقوة القاهرة، فقرر خوض هذه المعركة على طريقة (المقامر) – من قِمار، كلما خسر أمواله استدان لتعويضها فيخسر أكثر، إلى أن يجد نفسه حبيساً بسبب تراكم الديون، أو مشرداً فقيراً ومتسولاً.
ما لم يحققه البرهان وجيشه (الكيزاني) في بداية الحرب التي بادر بشنها على قوات الدعم السريع في عملية (المدينة الرياضية) الفاشلة، وبعض العمليات الأخرى المتزامنة معها التي قصفت بالطيران (مستجدين) عزلاً من قوات الدعم السريع المُفوجة إلى اليمن، قبل أن يتمكن الطرف الآخر من امتصاص الصدمة الأولى وامتلاك زمام المبادرة، بحيث اضطر البرهان إلى التسلل خفية والهروب إلى بورتسودان بعد اختباء طويل تحت الأرض بمقر القيادة العامة لجيشه، لن يتمكن من تحقيقه بعملية انتحارية يضحي فيها بهذا العدد الكبير من القتلى من أجل ما يظن أنه سيحسن صورته لدى الغربيين، وهذا ظن شديد السوء وفي غير محله، فقد حطت عملية (ذات الكباري) الانتحارية من مكانته ومكانة الجيش، عدا في إعلام الكيزان الذي اجتهد في فبركة مقاطع الفيديو وإغراق السوشيال ميديا بالأكاذيب التي لم يصدقها إلا من يريد أن يصدقها من الجهلة والمتعصبين والذين يحلمون أحلاماً غير قابلة للتحقق على أرض الواقع، “أحلام عصيّة”.
عندما كان يتحدث هذا الإعلام الكاذب عن انتصار ضخم واختراق عظيم، كانت حسابات الكيزان والفلول تنشر إعلانات نعي الضباط بالعشرات وتبكي على هؤلاء الأبطال الشجعان “على رأيها”، فيما كان الجنود المُغرر بهم يموتون بالمئات ويقفزون من أعلى الجسرين إلى النهر تحتهما طلباً للنجاة من المحرقة. فكيف لقوات منتصرة أن تقدم كل هذا العدد من القتلى؟ بل كيف يهرب المنتصر ولماذا ينسحب ويتراجع؟
باءت “مقامرة” البرهان وكيزانه الانتحارية بالفشل الذريع، ولم يهتم بها أحد ممن استهدفتهم، لا الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، ولا الدول العربية (الشقيقة)، تم إهماله وإهمالها إعلامياً تماماً، عدا في حسابات الكيزان والفلول.
بعد أن حسمت قوات الدعم السريع العملية الانتحارية، نشرت مقاطع فيديو من المقرن والسوق العربي ومن مشارف الجسرين ومن جزيرة توتي، وكانوا يتجولون في هذه الأنحاء التي ادعى إعلام البرهان أن الجيش حررها من (دنس التمرد) – كما يصفون الأشاوس – فيما ران وأطبق على هذا الإعلام مدفوع الأجر عديم الضمير، صمت القبور التي استقبلت خلال اليومين المنصرمين أعداداً كبيرة من المغرر بهم، وللأسف بعضهم لم يجد قبراً إلا في بطون تماسيح النيل الجائعة.
ما يعلمه المدنيون دعك عن العسكريين، أن القوات المهاجمة باندفاع شديد وفي نطاق جغرافي ضيق (كباري)، وخصوصاً إذا كانت بأعداد كبيرة، فإن الهزيمة النكراء ستكون مصيرها، وستباد عن بكرة أبيها، وهذا ما حدث في معركة (ذات الكباري) الخميس الماضي.
يقول خبراء عسكريون، إن البرهان وضع هؤلاء الجنود في محرقة مؤكدة وهو يعلم يقيناً بهلاكهم، من أجل تحقيق أهداف سياسية لن تتحقق، إنه يريد اعترافاً من المجتمع الدولي، وهذا لن يحدث أبداً. وبسبب حلمه هذا، وضع آلاف الجنود على جسري مساحة كل منهما ضيقة، فيما تنتظرهما على الجهتين المقابلتين (طرفي الجسرين) ناحية الخرطوم قوات الدعم السريع كامنة هادئة راصدة. فما إن وصلت طلائع القوات البرهانية الانتحارية منتصف الجسرين المتوازيين، حتى انهالت عليها شواظ من نار جهنم، فهلكت هلاكاً محزناً، فامتلأت متون الجسرين بالموتى، فيما تراجعت مؤخرة القوة إلى أم درمان مجدداً، واضطر كثيرون إلى القفز من أعلى الجسرين إلى لجة النيل الأبيض طلباً للنجاة، فكانوا هدفاً سهلاً للقناصة (الدعامة) ولتماسيح النيل الأبيض الجائعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد أُبيد هذا المتحرك، عدا قلة من الذين كتب لهم الله النجاة فتمكنوا من الفرار. وهؤلاء معظمهم من قادة مليشيات الكيزان الذين يلزمون (مؤخرة) المتحرك ويدفعون المستنفرين وجنود الجيش المساكين إلى الموت أماماً. لقد كانت عملية انتحارية فاشلة بكل المقاييس، لكن ما تزال الفلول تحتفل بانتصارات مفترضة وعبور مزعوم.
دعهم يحتفلون بالموت والهزيمة، دعهم يحتفلون ونم ملء جفونك عن شواردها.
والله المستعان.