عاش سكان العاصمة السودانية الخرطوم حالة من الشلل المفاجئ، حيث أفاد شهود عيان ومصادر عسكرية بأن الجيش السوداني قام بشن قصف مدفعي وجوي على المدينة يوم الخميس. تعتبر هذه العملية هي الأكبر لاستعادة السيطرة على العاصمة منذ بداية النزاع المستمر منذ حوالي 17 شهراً بين الجيش و”قوات الدعم السريع”.
تركزت الاشتباكات يوم الخميس على ثلاثة جسور استراتيجية في العاصمة، وهي جسور “الفتيحاب” و”النيل الأبيض” و”الحلفايا”. يأتي هذا الهجوم في وقت حرج، حيث فقد الجيش السيطرة على معظم مناطق العاصمة في بداية الصراع، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والإنساني في المدينة.
تزامن الهجوم مع استعداد قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مما يسلط الضوء على التوترات المتزايدة في البلاد. يتوقع أن تتناول كلمته الأوضاع الراهنة في السودان، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية.
منذ بداية النزاع المسلح في البلاد في أبريل 2023، تمكنت “قوات الدعم السريع” من السيطرة الكاملة على مدينة الخرطوم، بما في ذلك المنشآت العسكرية والمراكز السيادية. كما قامت هذه القوات بمحاصرة مقر القيادة العامة للجيش الذي يقع في الجهة الشرقية من المدينة.
أفاد شهود عيان بوقوع قصف عنيف واشتباكات مسلحة عندما حاولت وحدات من الجيش عبور الجسور التي تربط بين المدن الثلاث المتجاورة، وهي الخرطوم وأم درمان وبحري. هذه الجسور، التي كانت محوراً للاشتباكات، تشمل “الفتيحاب” و”النيل الأبيض” و”الحلفايا”.
أفاد شهود عيان باندلاع قصف عنيف واشتباكات مسلحة عندما حاول الجيش عبور الجسور التي تمتد فوق نهر النيل، والتي تربط بين المدن الثلاث المجاورة في منطقة العاصمة الكبرى. وقد زعم كل من الأطراف المتنازعة أنه تمكن من السيطرة على هذه الجسور الاستراتيجية.
وأشار السكان المحليون إلى أن الجيش ينفذ قصفاً مكثفاً على منطقتي الحلفايا وشمبات، بينما تحلق الطائرات الحربية بكثافة، خصوصاً في المناطق الزراعية المحيطة بجسر الحلفايا من جهة بحري. وقد وثقت مقاطع الفيديو تصاعد دخان أسود في سماء العاصمة، مصحوباً بأصوات المعارك التي تعمق من حدة التوتر في المنطقة.
تتواصل الأوضاع المتوترة في العاصمة، حيث تشتد الاشتباكات والقصف، مما يزيد من معاناة السكان ويعكس حالة عدم الاستقرار السائدة. في ظل هذه الظروف، يبقى الوضع الإنساني في خطر، مع تزايد الحاجة إلى المساعدات الإنسانية في المناطق المتضررة.
تحليق الطيران
قال السكان إن الجيش يشن قصفًا مدفعيًا عنيفًا وقصفًا جويًا على منطقتي الحلفايا وشمبات، بينما تحلق الطائرات بكثافة، وخاصة فوق المناطق الزراعية المحيطة بجسر الحلفايا من اتجاه بحري.
أظهرت مقاطع الفيديو أيضاً تصاعد دخان أسود في سماء العاصمة، في ظل أصوات المعارك المدوية في الخلفية.
صرحت مصادر عسكرية لوكالة “رويترز” بأن قوات الجيش قد عبرت بعض الجسور في الخرطوم وبحري، فيما أفادت “قوات الدعم السريع” بأنها تمكنت من إفشال محاولة الجيش عبور جسرين نحو الخرطوم.
تحدث الاشتباكات المتجددة في وقت يبرز فيه ملف النزاع المستمر في السودان كسألة هامة على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وظهور أزمة اللاجئين.
استعاد الجيش بعض المناطق في أم درمان في وقت سابق من هذا العام، لكنه يعتمد بشكل أساسي على المدفعية والغارات الجوية، ولم يتمكن من إخراج “قوات الدعم السريع” التي تتمتع بكفاءة أعلى على الأرض، من مناطق أخرى بالعاصمة.
مخاوف في دارفور
في هذه الأثناء، استمرت “قوات الدعم السريع” في تحقيق تقدم في مناطق أخرى من السودان خلال الأشهر الماضية في صراع أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة، ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص، ودفع بعض المناطق إلى الجوع الشديد أو المجاعة.
تعثرت المساعي الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة ودول أخرى، ورفض الجيش المشاركة في المحادثات التي كانت محددة للشهر الماضي في سويسرا.
اشتدت القتال هذا الشهر من أجل السيطرة على مدينة الفاشر، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان.
تحاول “قوات الدعم السريع” التقدم من المواقع المحيطة بالمدينة لمواجهة الجيش ومجموعات متمردة سابقة متحالفة معه.
الفاشر تُعتبر آخر معقل للجيش في دارفور، حيث تشير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن الوضع الإنساني هناك بالغ الصعوبة. إنها واحدة من خمس عواصم ولايات في إقليم دارفور، وهي الوحيدة التي لم تقع تحت سيطرة “قوات الدعم السريع”.
طالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للمنظمة بضرورة إنهاء حصار الفاشر، الذي يقطن فيه أكثر من 1.8 مليون نسمة من السكان والنازحين.
في سبتمبر، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى لا يقل عن 20 ألف شخص منذ بدء النزاع، لكن بعض التقديرات تشير إلى أن العدد قد يصل إلى 150 ألف ضحية، بحسب المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو.
هاجر أكثر من 10 ملايين شخص، وهو ما يعادل حوالي 20 في المئة من السكان، نتيجة للقتال، أو تم إجبارهم على اللجوء إلى دول مجاورة.
تسبب النزاع في حدوث أزمة إنسانية تُعتبر من الأسوأ في التاريخ المعاصر، حسب ما أفادت به الأمم المتحدة.
جسور العاصمة المثلثة
يقسم نهر النيل ورافداه النيل الأزرق والنيل الأبيض العاصمة السودانية الخرطوم إلى ثلاث مدن. تقع الخرطوم في الجنوب بين النيل الأزرق والنيل الأبيض، حيث يلتقي النهران في منطقة المقرن وتعتبر نقطة انطلاق نهر النيل، وهي العاصمة الإدارية وموطن الحكومة ومركز التجارة والاستثمار. بينما تمتد مدينة أم درمان بين النيل والنيل الأبيض من الشرق والغرب، وتعتبر العاصمة الوطنية القديمة. أما مدينة الخرطوم بحري، فتقع بين نهر النيل والنيل الأزرق من الجنوب والخرطوم، وتعتبر مدينة صناعية.
تتصل مدن الخرطوم الثلاث بواسطة عشرة جسور تعبر الأنهار الثلاث، مما يوفر وسائل للتواصل ليست فقط بين مدن العاصمة، ولكن أيضًا مع بقية مناطق السودان.
منذ بداية الحرب، تناوب الجيش وقوات “الدعم السريع” على السيطرة على الجسور، سواء بشكل كامل أو جزئي.
فقد الجيش السيطرة من الاتجاهين على جميع جسور المدينة باستثناء جسر النيل الأزرق الذي يربط بين الخرطوم والخرطوم بحري، بينما تمكنت قوات “الدعم السريع” من السيطرة على جسور سوبا، والمنشية، والمك نمر، وخزان جبل أولياء، وتوتي.
يتقاسم الطرفان السيطرة على جسور الفتيحاب والنيل الأبيض، حيث يتحكم الجيش من ناحية أم درمان، بينما تسيطر قوات “الدعم السريع” من جهة الخرطوم.
وأيضاً جسر الحلفايا، حيث يتواجد الجيش من جهة أم درمان، بينما تتواجد قوات “الدعم السريع” من جهة الخرطوم بحري.
أما جسر شمبات، فقد توقف عن العمل بعد تفجيره في نوفمبر 2023، وكان حينها تحت سيطرة قوات “الدعم السريع”، وتبادلت الأطراف الاتهامات بشأن تفجيره.
كذلك، جسر خزان جبل أولياء الذي تعرّض لقصف من طيران الجيش، تمكنت قوات “الدعم السريع” من إعادته للخدمة مرة أخرى. يُعتبر هذا الجسر الوحيد الذي يربط بين قواتها من أم درمان حتى دارفور، وبما أنه جسر على السد، فإن تدميره بشكل كامل قد يستلزم تدمير السد الذي ينظم تدفق المياه لصالح السد العالي في مصر.