نشأ خلاف جديد بين قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان ومساعده الفريق ياسر العطا بشأن مسألة التفاوض لإنهاء النزاع، حيث أبدى البرهان استعداده للتفاوض استجابة لدعوة من الولايات المتحدة، في حين أكد العطا على استمرار القتال ضد قوات الدعم السريع.
أثارت هذه التصريحات المتضاربة تساؤلات حول موقف القيادة السودانية الحقيقي من عملية السلام، ومدى تأثير الجماعات الإسلامية على قرارات الجيش.
تتعلق تصريحات العطا التي ترفض التفاوض بخطابه الموجه إلى جنود الجيش، حيث أشاد بقائد كتيبة البراء بن مالك، المصباح أبوزيد طلحة، الذي يقود إحدى الميليشيات الإسلامية المدعومة من بقايا نظام الرئيس السابق عمر البشير.
تواجه هذه المليشيا اتهامات بانتهاك حقوق المدنيين، ولها تأثير كبير على قرار الجيش السوداني، خاصة مع دعم ياسر العطا لها وتبنيه لموقفها السياسي الرافض للتفاوض.
في المقابل، أبدى البرهان ترحيبه بدعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعودة إلى المفاوضات ووقف الحرب، وهي خطوة مفاجئة اعتبرتها الأوساط السياسية محاولة للحصول على الشرعية الدولية، خصوصاً في ظل رغبته في حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كممثل رسمي للسودان.
مناورة سياسية أم ضغط دولي؟
أشار المحلل السياسي أبو عبيدة برغوث إلى أن تصريحات العطا ما هي إلا عنصر من استراتيجية يتبعها قادة الجيش السوداني للتأثير على المجتمع الدولي.
وأفاد في تصريح لـ”إرم نيوز” أن العطا يعكس في الحقيقة وجهة نظر البرهان، حيث يسعى الجيش من خلال هذه التصريحات إلى كسب شرعية مفقودة منذ انقلاب البرهان على الحكم الانتقالي في أكتوبر 2021، مما أدى إلى تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي.
وأضاف برغوث أن البرهان يستغل الحرب كوسيلة للضغط من أجل الحصول على الشرعية، بحيث يسعى لتصوير الجيش السوداني كطرف يحتجز الشعب كرهائن، مطالبًا المجتمع الدولي بتقديم الشرعية له مقابل إنهاء الحرب.
يرى برغوث أن رد البرهان السريع على دعوة بايدن كان بهدف الحصول على اعتراف دولي يمكّنه من تمثيل السودان في الساحة العالمية.
تقسيم الأدوار
من جهته، أوضح المحلل السياسي صلاح حسن جمعة أن الاختلاف الظاهر بين البرهان والعطا لا يعدو كونه “تقسيم أدوار” يهدف إلى المراوغة في جميع الاتجاهات.
ذكر في تصريح لـ”إرم نيوز” أن العطا يعمل كمنسق مع الجماعات الإسلامية التي تشارك في القتال بجانب الجيش، مثل كتيبة البراء بن مالك، ويشرف عليها بشكل مباشر لضمان عدم حدوث أي تمرد من جانبها. كما أن تصريحاته تهدف إلى طمأنة هذه الجماعات بأن الجيش لن يدخُل في أي مفاوضات مع قوات الدعم السريع.
وأشار “جمعة” إلى أن هذه التصريحات لا تتعارض مع البرهان، بل تعكس تنسيقًا دقيقًا بين قادة الجيش لتقديم صورة جديدة للمجتمعين الدولي والمحلي، وأن العطا يلعب دورًا في إقناع الإسلاميين بأنهم لا يزالون شركاء في المعركة، حتى وإن كانت هناك جهود تُبذل للتفاوض.
بينما يواصل الجيش السوداني إصدار بيانات متضاربة بشأن الحرب والمفاوضات، يتبين أن البرهان والعطا يتبنيان استراتيجية منسقة للضغط على المجتمع الدولي، وكسب الوقت لضمان استمرار الجيش في الحكم، في ظل تصاعد التوترات بين الجماعات الإسلامية والقوات المسلحة.
وجاءت تصريحات “العطا” الأخيرة في وقت حددت فيه جميع وثائق الاتفاقيات السابقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منصات “جدة والمنامة” ضرورة خروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة لحكومة مدنية تخضع لها القوات المسلحة، كما أن ذلك يتماشى مع رؤى القوى السياسية المطروحة لحل الأزمة في البلاد.