منعم سليمان
لا يزال الشعب السوداني – وأنا منهم- ينتظر وعد “ناجي مصطفى”، القيادي النشط بالحركة الإسلامية المسيلمية السودانية، الذي قطعه في تسجيل مصور أمام جموع المستنفرين للحرب من البسطاء والمخدوعين، والذي حكى فيه (تحت القسم المغلظ) أن أحد من من سماهم بالمجاهدين عرض له مقطع فيديو يُظهِر (11) مجاهداً فقط بأسلحة خفيفة وهم يدحرون ويهزمون (450) عربة دفع رباعي مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة من قوات الدعم السريع في معركة بسلاح المدرعات، واعداً بنشر فيديو الملحمة الخيالية على صفحاته بوسائل التواصل الاجتماعي!
ونحن في انتظارنا لمشاهدة هذه الملحمة (الرامبوية)، إذ به يطل علينا مُجدداً من بلدة “الشواك” القريبة من القضارف، وهو يحكي حكايات خرافية وأسطورية فاقت في أسطوريتها قصته الأولى ووضعتها في منزلة أدنى، بل فاقت كل قصص “إسحق أحمد فضل الله” صاحب برنامج (ساحات الفداء) الذي كان يبثه تلفزيون السودان في هوجة تسعينات القرن الماضي، والذي حكى فيه – وقتها تحت القسم المغلظ أيضاً – كعادة الإخوان – إن غزالة جاءت إليهم وهم “يجاهدون” في حربهم بجنوب السودان، وطلبت منهم أن يذبحوها ويأكلوها إكراماً لجهادهم في الله، ثم أتى بعدها نبي الله الخضر ليخبرهم عن خريطة الألغام ويوعدهم بالنصر، والأخير- أي نبي الله الخضر- أكثر نبي تم استدعاؤه في حروب السودان: من الثورة المهدية حتى الحركة المسيلمية الحالية، وبالطبع لا مجال لأي مقارنات أخرى بينهما، إذ كانت الثورة المهدية تحارب قوى استعمارية، بينما الحركة الاسلامية المسيلمية ظلت -ولا تزال- تحارب شعبها من أجل الحكم، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد أي عدو خارجي!
المخبول “ناجي مصطفى” يمثل آخر طبعة اسلامية مسيلمية تظهر في أرض السودان، وهي طبعة ركيكة ومتسخة ورديئة، إذ لا يستحي أن يلجأ إلى الكذب المكشوف والصريح تحت القسم المغلظ ليدعم أكاذيبه، ولا يتورع من الدفع بالصبية البسطاء والفقراء إلى أتون الجحيم، دون تدريب كافٍ أو إمدادات سوى وعود وأكاذيب ونثر دماء الأولين على رؤوسهم ، ثم يضعهم أمام الموت مباشرة، بعد أن يبث فيهم الحماس ويغسل أدمغتهم بالقصص السريالية الخيالية والأكاذيب المنسوبة لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد حكى أمام جمع منهم في أحد المقاطع المصورة، وهو يزبد ويصرخ – لزوم الآكشن- إن خالد بن الوليد كان يتجرع السُم مثلما يشرب الماء، ولم تكن تحدث له أي مضاعفات ولا آثار، وأن الصحابي البراء بن مالك تم رميه بالمنجنيق (متفجرات) في معركة اليمامة ولم تصبه بأي أذى حتى لم يُجرح، وهكذا بمثل هذه الخزعبلات والأكاذيب يرمي الصغار إلى التهلكة، فيما يهرب هو إلى مخبئه البعيد بعد أن يوصلهم مرحلة الشحن الكامل، قبل أن نراهم لاحقاً وهم في وضعية (الهزاز) التي تسبق الموت!
تسبب قاسي القلب إسحق فضل الله وبرنامجه (ساحات الفداء) وقصصه الخيالية الكاذبة، إبان الحرب في جنوب السودان، في إزهاق أرواح آلاف الشباب البسطاء الذين يتأثرون بالخطاب الديني ويتوقون إلى التناكح مع الغلمان والحور العين، لكن في نهاية الأمر لم يتمكن هؤلاء من تحقيق أي انتصار على الأرض، رغم خزعبلات الغزال المقدس وألغام النبي الخضر والملائكة التي كانت تظللهم بظلها في معارك الجنوب، فاضطروا إلى توقيع اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005 (اتفاقية السلام الشامل/ نيفاشا)، ومع توقيعها وصف عرّاب الإخوان المسلمين في بلاد السودان، حسن عبد الله الترابي، هؤلاء الذين كانوا يطلقون عليهم الشهداء بــ( الفطائس)، واعترف اسحق فضل الله بدوره انه كان يكذب في قصصه، وان الكذب في الحرب مباح، هكذا قالها والله، دون تأنيب أو اعتذار أو انتحار !
بسبب الكذب بالدين فقد أولئك الشباب أرواحهم في معارك بدون معترك ولا هدف، سوى احتكار السلطة وسرقة الثروة لصالح تنظيم ديني ارهابي فاسد، مثلما يحدث الآن، إذ لا يزالون يرسلون البسطاء إلى الموت بذات الأكاذيب السخيفة ومن أجل تحقيق ذات الأهداف الدنيئة!
مات الترابي في بيته ولم يمت في الحروب، وها هو اسحق فضل الله ينتظر دنو أجله وهو يتمتع بسرر مرفوعة ونمارق موضوعة في بورتسودان بالقرب من البرهان، في انتظار قسمة السلطة والثروة، بعيداً عن الحرب والموت، بعد أن هرب كالجرز من بلدته العيلفون (شرق الخرطوم) بعد دخول قوات الدعم السريع وسيطرتهم عليها، وكان الأولى والأجدر أن يقاتل حتى يلقى ربه وينال الشهادة لينكح الحور والغلمان (!)، ولكنه وان كان يكذب على الآخرين فانه لا يكذب على نفسه، وهذا ما يفعله الآن المسيلمي المحتال “الناجي مصطفى”، الذي يكذب محرضاً الشباب باسم الدين والجهاد، ثم يهرب إلى حرزٍ أمين، فيما يلقي بالصبية المساكين إلى المحرقة!
لم يتبق الكثير حتى يخرج علينا المأفون “ناجي مصطفى” معترفاً بكل هذه الأكاذيب، ولكن من يعيدُ لنا الشباب؟!
يا شباب السودان اتعظوا بمن كان قبلكم.