علي أحمد
لن تُصاب بالدهشة فقط، بل بالخبل والجنون والعته وربما بالسكتة القلبية، وأنت تستمتع إلى التسريبات الصوتية الأخيرة لغرفة قيادة العمليات العسكرية للجيش؛ التي نُشرت على نطاق واسع أمس، والتي كشفت عن خوار وضعف وهشاشة وتمرد وعصيان وتخوين وتصفيات لطيارين وضباط بأوامر مباشر من قائد الجيش نفسه، كما ورد بالتسريبات.
الحديث الغريب الذي رصدته التسريبات الصوتية بين البرهان وقائد القوات البرية رشاد عبد الحميد، يكشف عن افتقارهما، وبالتالي معظم ضباط الجيش، طالما هذه هي قمة قيادتهم في العمليات العسكرية، إلى الكفاءة والقدرة على إدارة الحرب، كما تكشف عن تفشي العنصرية والجهوية بشكل مريع وفظيع وسط القيادة.
المحزن في الأمر، هو انتشار التخوين كالنار في الهشيم، مما أفقد الضباط الثقة في قيادتهم وأسهم في انتشار الخوف والتوجس بينهم، لا أحد يثق في الآخر، والضباط يترصدون بعضهم بعضاً، كل واحد منهم يريد التخلص من الآخر، ما فاقم حوادث التصفيات الجسدية التي أزهقت بسببها أرواح بريئة وفقدت القوات المسلحة (خيرة) ضباطها نتيجة لهذه الحالة المتفشية.
والملاحظ أيضاً ان العنصرية والجهوية بلغت حدودها القصوى خصوصاً لدى قائد الجيش نفسه، عبد الفتاح البرهان، حيث فضحت التسريبات حرصه الشديد على حماية مدينة شندي، وهي المنطقة التي تعود جذورة إليها، وعدم ممانعته من دخول قوات الدعم السريع أي مدينة أو قرية أو منطقة أو حامية خارج هذا النطاق الجغرافي، ولعل هذا يفسر السقوط المتتالي للحاميات العسكرية والمدن دون أن يثير ذلك حنق وغيرة الرجل، فلم يأبه حين سقط الاحتياطي المركزي، المدرعات، وعشرات الحاميات في مدن السودان المختلفة، وكيف سقطت دارفور بأكملها عدا جيوب قليلة، وكذلك الجزيرة وسنار.
كذلك كشفت التسريبات عن فشل الاستخبارات العسكرية وضعف قدراتها وإمكانياتها، فكيف بالله عليكم بجيشٍ لديه استخبارات احترافية بأن تستخدم غرف عملياته العسكرية الهواتف العادية للتواصل بين قادتها وتبادل المعلومات العسكرية (العملياتية) والاستخبارية والأمنية فيما بينهم!!
إنّ رجل الشارع العادي الذي لا علاقة له بالعسكرية يعلم، دعك عن ضباط كبار (بتاعين) كلية حربية وأركان حرب ودورات متقدمة، كما صدعوا رؤوسنا، تفوت عليهم هذه الجزئية، بأن استخدام الهواتف في العمليات العسكرية خطر كبير وداهم. هل بالفعل هؤلاء عسكريين محترفين؟!، كيف تستخدم غرف العمليات العسكرية التي تخطط وتدير الحرب الهواتف الجوالة العادية لتبادل المعلومات الحساسة وإصدار الأوامر العسكرية؟!
هذه استخبارات عسكرية لا تعرف مهامها، وهذا ما يفسر انصرافها إلى اعتقال المواطنين الأبرياء والتنكيل بهم بتهمة التعاون والتخابر مع قوات الدعم السريع، لتغطي فشلها وعجزها وقلة حيلتها وضعفها في القيام بعملها، بل وجهلها به، إنها الإدارة الأكثر غباء وتضعضعاً وجهلاً في الجيش السوداني، أنها نقطة الضعف المركزية فيه، ولا عمل لها سوى مطاردة المواطن المغلوب على أمره، فيما لا تفقه شيئاً عن وظيفتها الرئيسية، وهي إحدى أسباب الهزائم الساحقة والمذلة التي لحقت بالجيش في هذه الحرب.
هواتف جواله، يا (عِرة) استخبارات العالم (اختشي على دمك)، فهذه الموبايلات عرضة للتشويش والتنصت، كما أن شبكة الاتصالات غاية في الضعف بالسودان خصوصاً في ظل الحرب، علاوة على غيابها التام وضعفها الشديد في كثير من المناطق .
إن جيشاً ، هذه قيادته، لن ينتصر أبداً. وإن جيشاً قائده البرهان؛ ستحيق به الهزائم ويلحق به الخزي والعار ، لقد استمعنا خلال هذه التسريبات إلى مدى خوفه وذعره وخشيته من تقدّم الدعم السريع نحو (شندي)، لقد كان مرعوباً بالمعني الحرفي للكلمة، وكذلك جميع الضباط ينتابهم هذا الخوف، ترتعد فرائصهم عندما تطرف آذانهم كلمة (الدعم السريع)، هذه هي الحقيقة التي كشفت عنها التسريبات، ويعرفها جميع السودانيين، وما الهروب والانسحابات المتكررة إلا انعكاساً لهذا الخوف المرضي، الذي تحول إلى رهاب (فوبيا الدعم السريع).
ملخص هذا المقال، هو أن هذا الجيش غير مؤهل للمضي قدماً في الحرب، وأن بينه وبين الانتصارات ما بين السماء والأرض، وأن الضباط الذين يتولون قيادته ويديرون استخباراته غير مؤهلين ولا يمتلكون الكفاءة اللازمة لإدارة (مشاجرة) بالعصي والحجارة في قرية نائية، دعك عن عمليات عسكرية، وأنهم لا يفقهمون ألف باء العمل العسكر، يا لهم من ضباط فاشلين وفاقدين للأهلية، أهلكوا هذه البلاد وأهلها بسبب رغبتهم في حكمها بقوة السلاح وحتى هذه فشلوا فيها.