علي أحمد
بعد تعذيبه تعذيباً شديداً قتل جهاز المخابرات بمقره بمدينة كسلا، السبت، المواطن الشاب “الأمين محمد نور”، وذلك بعد اعتقاله بيوم واحد فقط، وبعد قتله (رمى) جهاز المخابرات جثمانه بمشرحة مستشفى كسلا وطلب من أهله استلامه ودفنه!!
هذه الحادثة البشعة أعادت للأذهان قصة مقتل الشهيد الأستاذ أحمد الخير تحت التعذيب في معتقلات جهاز الامن والمخابرات بكسلا نفسها إبان ثورة ديسمبر، وأدّت إلى خروج مواطني المدينة في احتجاجات غاضبة وهم يرفعون شعار (الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية) .
الشاب القتيل وفقاً لروايات الشهود والمعارف لا علاقة له بالسياسة ولا يفهم أبجدياتها ولا يتحدث عنها، فقد كان يملك محل (بقالة) صغير بسوق مدينة ود مدني، وخرج منها عقب هروب الجيش وجهاز الأمن (القاتل نفسه) من قوات الدعم السريع وسقوط المدينة، فاتجه شرقاً مستقرا ببلدة (ود شريفي) في ريفي مدينة كسلا حيث تقيم أسرته، وأراد أن يبدأ حياته العملية في سوق المدينة حيث أتخذ له مطعماً كان السبب في وفاته، إذ ان أحد القتلة من الكيزان المستنفرين أراد شراكته عنوة في مطعمه ولما رفض الشراكة كانت التهمة جاهزة: (التعاون مع قوات الدعم السريع)، وهي التهمة المعدة سلفاً حالياً للتخلص من المختلفين الأبرياء، اختفى ومات بسببها المئات من الأبرياء، وهي تهمة كيدية حقيرة وكاذبة أسس لها البرهان وكيزانه، بدأت بإتهام (تقدم) قبل أن يتم تعميمها وتقنيتها ضد المواطنين، وتسن لها القوانين مثل (قانون الوجوه الغريبة) المطبق حالياً في ولايات الشمال!
ويبدو وفقاً للمعطيات والحيثيات المتوفرة أن الشهيد “الأمين” قتيل جهاز المخابرات الكيزاني تعرض لجرعات تعذيبة هائلة وفائقة حيث فارق الحياة بعد اعتقاله بساعات وظهرت على جسدة كدمات وآثار تعذيب مهولة.
بالنسبة لي، قولاً واحداً : من يتحمل هذه الجريمة النكراء بشكل مباشر هو “عبد الفتاح البرهان” الذي أعاد لهذا الجهاز الحزبي العقائدي المتوحش الذي اُشتهر بين السودانيين بأفعاله المشينة كتعذيب المعتقلين واغتصابهم وخوزقتهم وقتلهم خارج القانون وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين وترتجف من هولها السماء وتتزلزل الأرض، أعاد إليه صلاحية التحري والاعتقال ومنحه الحصانات، كما أعاد ملكيته إلى الحركة الاسلامية ممثلة في حزب المؤتمر الوطني المخلوع، ومنذ أن وضع قرار البرهان هذا موضع التنفيذ حتى شرع هذا الجهاز القاتل في ممارسة أعماله الوحشية والإجرامية ضد المواطنين العزل والأبرياء.
الأمر اللافت، أن الضغط الجماهيري الكبير على جهاز المخابرات (عصابة القتل) أدّى إلى رضوخه (مؤقتاً) لغضب الجماهير وقبوله بتدوين بلاغات عبر النيابة العامة (لكيزانية أيضاً) تحت المادة (130) القتل العمد، وخاطبت الجهاز القاتل بضرورة تحديد المتورطين وتسليمهم للعدالة، ولا أظن أن ذلك سيحدث، لأنه لم يحدث من قبل، فسوف يخفونهم ويهربونهم ولو بعد حين، ولا زال قتلة الشهيد أحمد خير طلقاء بعد أن تم تهريبهم من السجون مع من هربهم الكيزان بعد حربهم، بل أن أغلبهم عاد إلى الخدمة مرة أخرى، وربما بينهم من شارك في هذه الجريمة!
الأمر اللافت الآخر أن هيئة الاتهام التي تمثل أولياء الدم، يقودها محامون معروفون بولاءهم وانتماءهم للكيزان ولتنظيمهم الإرهابي وعلى رأسها المحاميان “عبد الله دِرف” و”عاصم محمود”، والأول كان ضمن هيئة الدفاع عن فلول النظام السابق إبان الحكومة الانتقالية، ما يشي أن تولي هذان المحاميان (من بني كوز) اللذان لعبا دوراً كبيراً في تهدئة المواطنين الغاضبين بعد أن وعودهم بأن القضية ستأخذ مسارها القانوني، تم بالاتفاق مع جهاز المخابرات نفسه، وأن دم الشهيد الأمين سيضيع (شمار في مرقه)، مثل غيره من دماء أبناء هذا الوطن الشرفاء الأنقياء.
إن مقتل الشهيد (الأمين) بهذه الطريقة البشعة بعد ساعات من اعتقاله يعطي مؤشرات واضحة أن قائد جيش (البرهان) الذي أعاد الحصانة لمنسوبي هذه العصابة المسماة زوراً وبهتاناً بجهاز المخابرات، يريد استخدامها ضد المواطنين يداً باطشة وآلة قتل خارج القانون.
الأمر الآخر الذي أود الإشارة إليه، هو أن أفراد قبيلة “البني عامر” و”الحباب” ظلوا يتعرضون دون الجماعات السودانية الأخرى لعداء سافر وواضح من هذا الجهاز القمئ، واذكر كيف أساء لها المجرم الهارب مدير جهاز المخابرات الأسبق بكسلا من استديوهات الإذاعة الحكومية قبل شهور قليلة، وكيف تم التحريض عليها من قبل نفس الجهاز إبان الحكومة الانتقالية وتعرضت حياة افرادها وممتلكاتهم للخطر، وكيف كانت تحاك فتن ومؤامرات (الكباشي) ضدها، حيث تم قتل عديدين منهم خارج القانون كما تم حرق متاجرهم ومنازلهم في كسلا وبورتسودان والقضارف، وبالتالي فإن الخلاصة المنطقية لذلك كله، هو أن هناك استهداف ممنهج من الكيزان وأجهزتهم الأمنية لمجموعات (البني عامر والحباب) من قبل جهاز المخابرات وعناصره بكسلا بما في ذلك جميع مديريه؛ الأسبق والسابق والحالي، ما يعني أن هذا الاستهداف ليس مزاجاً شخصياً وإنما سياسة عامة لهذا الجهاز الوحشي القاتل، وأن هذه القبيلة يُدفع بها نحو التمرد على الدولة دفعاً متواصلاً، ولو حدث ذلك، وهي من أكبر القبائل في شرق السودان، وهي كذلك الأكثر ثراءً وتعليماً، فإن حدث ذلك – وحتماً سيحدث لو بقي الكيزان – فإن شرق السودان سيصبح جحيماً مستعراً ، لكن ماذا لو انضمت هذه القبيلة الكبيرة والثرية والممتدة عبر الحدود والمتداخلة إلى قوات الدعم السريع؟
ستسقط بورتسودان غداً.
آمين.