عبد الرحمن الكلس
حين قصف الجيش السوداني مستشفي (كتم) في الرابع من اغسطس وقُتل على إثر القصف عدد من المرضي داخل المستشفى لم يقل المبعوث الأمريكي “توم بيريلو” ولا كلمة.!!. ولكن حين قصفت قوات الدعم السريع مستشفي (الدايات) في أمدرمان – وهو خال من المرضى- قبل إشغاله أدان المبعوث القصف وأدانته معه “سامانثا باور” مسؤولة المعونة الامريكية!
وتتكرر كل مرة المشاهد الموثقة للقتل خارج نطاق القانون علي أساس الشبهة أو الهوية التي ترتكبها عناصر الجيش وجهاز الأمن وكتائب المستنفرين من الإسلاميين، ولكن يلتزم المبعوث الصمت تجاهها ومعه كل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العالمية والاقليمية، مما يؤكد بان هناك قرار متخذ لدى المؤسسات الغربية بغض النظر عن انتهاكات الجيش وحلفائه والتركيز فقط على انتهاكات الدعم السريع.
وشخصيا لا أدعو للتغاضي عن انتهاكات الدعم السريع وانما أدعو للنزاهة والاستقامة بإدانة الانتهاكات من أي طرف أيّا كان .
ولنعرف مقدار عدم الاستقامة التي يتعامل بها المبعوث الأمريكي وسائر المؤسسات الغربية فلنتخيل لو أن المشاهد الموثقة لعناصر الجيش والأمن وهم يقطعون الرؤوس ويبقرون البطون ويتلذذون بقتل الأسرى دون أن تتم تغطيتها من أية وسيلة إعلام غربية ودون أن يعلق عليها المبعوث الامريكي أو أي دبلوماسي غربي، تخيل لو أن مثل هذه الممارسات المتوحشة وغير الانسانية ارتكبتها قوات الدعم السريع؟
إذن لكانت كل ماكينة الإعلام الغربي نشرتها في كافة أرجاء الكون!!.
أو تخيل كيف كانت ستكون ردود فعل المبعوث والمنظمات الحقوقية لو أن الشهيد “الامين محمد نور” الذي قُتل تحت تعذيب عناصر جهاز الأمن في كسلا أمس الأول، فيصمت الكل تواطأ وعدم نزاهة، ولكن لو كان قد قُتل تحت أيدي الدعم السريع لطارت بالخبر كل وكالات الأنباء والقنوات ولتواترت تغريدات المبعوث والمسؤولين الأمريكان تشجب وتندد!
ومن المفارقات المذهلة أيضاً قصف طيران الجيش العشوائي على المدنيين في مناطق سيطرة الدعم السريع والذي يكاد يتم بشكل شبه يومي ويؤدي إلى تدمير المرافق المدنية ومنازل وممتلكات المواطنين وسقوط الأبرياء من النساء والأطفال والعجزة، ولكنه يمر دون كلمة شجب او إدانة، دع عنك أن تتخذ اجراءات فعالة في مواجهته!!!.
وبالامس فقط إذ غرد المبعوث الأمريكي مُديناً قصف الدعم السريع العشوائي، وهو فعلاً يستحق الإدانة ، إلا أن المبعوث لم يقل ولا كلمة واحدة عن قصف طيران الجيش في ذات اليوم للمدنيين في سوق ودمدني!!
وذكَر المبعوث الأمريكي بفظائع الدعم السريع، مشيراً إلى فظائع دارفور السابقة، دون ان يمتلك النزاهة الكافية ليقول من كان العقل الاجرامي المدبر لهذه الفظائع؟ أليس هو الجيش السوداني والإسلاميين؟. ومما يؤكد ذلك بلا أدنى شك أن قائد هذه الفظائع “موسي هلال” يصطف حالياً في مكانه الطبيعي كأداة للجيش والإسلاميين.
ان عدم نزاهة المؤسسات الغربية ليست ضعفاً أخلاقياً وحسب وانما كذلك -والاهم- أجندة سياسية.
في الظاهر من جبل الجليد يدعي المبعوث الأمريكي أنه يريد استرضاء الجيش حتي يأتي به لطاولات المفاوضات. وحتي لو صدقنا ذلك فهو أمر خاطي لأنه يعني مكافأة الرافض للمفاوضات بدلاً عن معاقبته!!.
والحقيقة الفعلية خلف الظاهر المدعي ان المؤسسات الغربية وعلي رأسها الإدارات الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية منحازة للإسلام السياسي في المنطقة، خصوصاً في السودان، وتريد إنقاذه بشتى الوسائل بما فيها الضغط الإعلامي والدبلوماسي والاقتصادي بل والتسليحي، وما من أحد إلا ساذج يعتقد ان القوات الخاصة الأوكرانية أو الجيش المصري يمكن أن يتدخلا لصالح الجيش السوداني بدون علم أو أخذ ضوء أخضر أمريكي !!.
وتؤيد هذه الدوائر الغربية الإسلام السياسي في المنطقة والسودان لسببين رئيسيين؛ أولهما الاختراق المخابراتي الكثيف للحركة الإسلامية السودانية فهي استثمار ضخم للمخابرات الأمريكية والبريطانية لا تريد التخلي عنه، والسبب الثاني ان الإسلام السياسي هو الوحيد القادر علي تقسيم السودان ، وهناك دوائر في الغرب تسعى إلى ذلك!!. واتضح جلياً الآن ان هدف البرهان الرئيسي تأسيس دولة البحر والنهر.
ولكن لسوء حظ وتدبير المخابرات الغربية فان الحركة الإسلامية السودانية ليست مخترقة من قبلهم وحدهم وانما أيضاً من قوى أخرى عديدة أهمها ايران وروسيا وتركيا وقطر. ورغم كل البهلوانيات فان أقوى مركز في الحركة الاسلامية السودانية هو المركز المرتبط بايران. ومما يؤكد ذلك انه حين تأزمت الأوضاع بحكومة بورتسودان جاءها “كمال عبد المعروف” منتدباً لحل المشاكل وهو الحائز علي “وسام الحسين” من جمهورية ايران.
ولهذا السبب فان كل بهلوانيات المبعوث الأمريكي تنتهي فعلياً في خدمة ايران وروسيا بالسودان!!
ان سياسة الاداره الأمريكية الحالية تجاه السودان ستنتهي بكارثة على الشعب السوداني ولكن كذلك ستنتهي بكارثة على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث انها ستنتهي بتمكين ايران وروسيا والصين في السودان وربما منه إلى كامل أفريقيا. وهذا بالطبع إذا لم يقاوم الشعب السوداني هذه السياسة. ولكن الشعب سيقاوم ولو ترك وحده.