علي أحمد
ثمة ملاحظة لا تخطئها العين الناقدة والبصيرة النافذة، وهي أن قائد الدعم السريع، سريع الاستجابة والتفاعل والتصدي لجميع المستجدات في الراهنين السياسي والعسكري، الأمر الذي يجعله يمسك بزمام المبادرة على الدوام، ويجعل الآخرين يلهثون في اللحاق به، وهذا هو معنى القيادة، لا غيره.
ما جعلني أدفع بهذه المقدمة، هي القرارات التي أصدرها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) تباعاً؛ تنفيذاً لمخرجات محادثات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين، خصوصاً قراره الأخير الموجه لقادة قواته، حيث وجههم بتنفيذه فوراً، وينص بضرورة الالتزام بالأوامر المستديمة والعمل على منع كافة الانتهاكات الجسيمة والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني تعزيزاً للانضباط العسكري، والامتناع عن أي هجوم يتوقع أن يتسبب في إلحاق أي ضرر عرضي بالمدنيين قد يكون مفرطاً مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة.
وهذا يعني أن قوات الدعم السريع لن تهاجم أي موقع عسكري للفلول والكيزان وحركات الارتزاق إلا بعد التأكد من عدم تسبب هذا الهجوم بضرر على المدنيين، رغم معرفتها أن الفلول يستخدمون المدنيين كدروع بشرية ويقيمون معسكراتهم ومقراتهم العسكرية ومنصات مدافعهم وسط الأحياء السكنية.
كما تنص حزمة القرارات التي أصدرها قائد الدعم السريع على ضرورة معاملة الأسرى بطريقة إنسانية مع توفير الرعاية الصحية اللازمة للجرحى والمرضى منهم، وهذا ما ظل يحدث منذ اندلاع الحرب، لكن مزيداً من التأكيد والحرص لا يضر، كما شددت القرارات بضرورة تأمين الاحتياجات الضرورية لبقاء المدنيين كالمواد الغذائية والمحاصيل والثروة الحيوانية حيث يحظر نهبها وتخريبها، وهذا أمر ضروري وحيوي، بجانب التنسيق مع الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية (SARHO) بما يضمن وصول المساعدات لجميع المحتاجين.
كما أشارت القرارت إلى اتخاذ جميع الاحتياطات المُمكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين بهدف إخلاء المنازل والمستشفيات والمدارس، كما أنه لا ينبغي استخدام المدنيين كدروع بشرية، فضلاً عن ضمان عدم استخدام نقاط التفتيش للتعدي على مبدأ حرية التنقل للمدنيين والجهات الفاعلة في المجال الإنساني والسماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية والمحاصرة طواعية وبأمان، والامتناع عن ممارسة الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي للمدنيين وأي شكل من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو غير الإنسانية، بما في ذلك العنف الجنسي بجميع أنواعه، مع الابتعاد عن كل ما يثير الكراهية والنعرات القبلية والعنصرية والجهوية والدينية، والامتناع عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال بما في ذلك التجنيد القسري والاختطاف والاستغلال والحرمان من المدراس والمسشتفيات والمساعدات، والإلتزام بحماية واحترام العاملين في المجال الإنساني والأصول والأمدادات والمكاتب والمستودعات والمرافق وعدم التدخل في العمليات الإنسانية.
كما نصت القرارات الاخيرة على أن على جميع القادة (قادة الدعم السريع) التعاون التام مع قوة حماية المدنيين المُنشأة حديثاً بما يضمن تنفيذ مهامها، والتقيد بالأوامر وتنفيذ التعليمات واتباع القواعد التنظيمية المستمدة من قانون قوات الدعم السريع وقواعد السلوك والإسعافات الأولية أثناء القتال بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، وأن كل من يخالف هذه الأوامر سيعرض نفسه للمساءلة القانونية، ووجه القرار جميع القادة بتنفيذ التوجيهات عاجلاً.
بطبيعة الحال، جاءت القرارات أعلاه عملاً بأحكام قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017م، وإيفاءً بالتزاماتها بمخرجات مفاوضات جنيف، وما سبقها في إعلان جدة، واتفاق المنامة، وإلحاقاً بالأوامر الإدارية السابقة.
إنّ تشديد قائد الدعم السريع على جميع القادة في كافة المستويات بالتقيد بالأوامر وتنفيذ التعليمات وقواعد السلوك أثناء القتال بما يتوافق مع القانون، وقواعد القانون الدولي الإنساني، يعني أن تنفيذ هذه القرارت سيتسم يالجدية والصرامة وأن لا تهاون ولا تقاعس إزاء كل من يخالفها أو يخترقها، وهذا أمر يستحق الثناء والشكر.
ما لا يعرفه كثيرون أن قوات الدعم السريع دأبت على إصدار أوامر إدارية روتينية بشكل منتظم كل ثلاثة أشهر، الأمر الذي يعكس جديتها وحرصها على حماية المدنيين ومحاسبة منسوبيها الذين يرتكبون انتهاكات بقصد أو عن جهل إزاءهم، بصرامة ودون تردد، وهذا ما أكسب قائد الدعم السريع وقواته احترام وتقدير المجتمعين الدولي والإقليمي، فيما لم يبد الطرف الآخر (جيش الفلول) أي التزام أو جدية وما يزال يستخدم المدنيين دروعاً بشرية ويواصل قصفه للبنية التحتية والأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات بالبراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة المحرمة.
إنْ كان لا بد من كلمة أخيرة في هذا الصدد، فإن علينا دعم هذه القرارات والتشجيع على تنفيذها والثناء على قيادة الدعم السريع على استجابتها الفورية والسريعة لمخرجات جنيف والعمل على تطبيقها على الأرض، وهذا دأبها ودأب قائدها، الذي يعمل بفعالية وديناميكية ويقدّم المبادرة تلو الأخرى، وهذه هي القيادة الحقيقية .