علي أحمد
يتعجب الناس من سبب هزائم الجيش المتكررة، ولكن من يتابع الجيش وأخباره من مكان قريب سيتعجب ليس في هزائمه المتتالية، بل في بقائه حتى الآن. والحقيقة أن الذي يسمى مجازاً جيشاً عندنا، إنما هو مسخرة تحولت إلى مضحكة، وسنتناول في هذا المقال بعض مساخره، وذلك من باب الترويح عن النفس لا أكثر، خصوصاً وأن اليوم يوم جمعة، وقد جاء في الأثر: إن القلوب إذا كلت ملت وإذا ملت عميت.
وأقدم هنا نماذجاً لعمل هذا الجيش، ليس اجتهاداً مني، وإنما أنقلها لكم نقلاً من موقع وكالة السودان للأنباء (سونا)، وقد نشرت في 27 مايو الماضي خبراً عن احتفالات الفرقة 17 مشاة – سنجة، بمناسبة تنظيمها و(تنفيذها) ختان 180 من أبناء العسكريين – أي والله هكذا كان احتفالهم – وكان ذلك كما هو واضح من تاريخ الخبر، قبل شهر من هروب الفرقة بقائدها “المهيب” وضباطه وجنوده، بعد دخول قوات الدعم السريع وسيطرتها على المدينة.
ولا شك أن الجيش الكرتي في اكتمال (غلفته) كان مشغولاً بما هو داخل سراويل الأطفال قبل دخول الدعم السريع، وكل ميسر لما خلق له!
وقد يظن ظان أو يقول قائل أن هذا الفعل، أي الختان، أو (الطهور) – كما هو متعارف عليه شعبياً – حدث صدفة ولا علاقة له بعمل الجيش. ولهذا الظان والقائل ننشر خبراً آخر نشرته ذات الوكالة (سونا) بعد خبر طهور سنجة، وكان بتاريخ 19 يونيو، جاء فيه: إن قيادة الفرقة الخامسة مشاة- هجانة، بمدينة الأبيض، احتفلت بختان 250 من أبناء العسكريين (!)
وما هو أكثر مدعاة للخجل والضحك في آن واحد، أن الخبر حوى هذه المرة تصريحاً من السيد اللواء قائد الفرقة، أشاد فيه بالدور الوطني الكبير الذي تلعبه القوات المسلحة في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به الوطن!
ولا أعرف أين هو الدور الوطني الكبير في قطع حشفة قضيب طفل صغير؟ وهل أصبح طهور الأطفال عمل من أعمال السيادة والوطنية تقوم به القوات المسلحة؟ ولو أن ذلك كان كذلك، فإن الشخص المناسب لتولي منصب القائد العام للجيش هو الحاج/ “إسماعيل الطهار” وليس “عبد الفتاح البرهان”!
يقولون أن النكتة بنت بيئتها، وأن أفضل مناخ لنموها هو مناخ الكوارث والأوقات الصعبة من عمر الشعوب، وتنامي مناخ النكتة والسخرية في هذه الفترة وسط السودانيين، إذ يعبر عن حالة الغضب الكبيرة بسبب الحرب، أيضاً هو وسيلة للتعبير عن هذا الغضب. والصراخ والفضح والنقد والسخرية هي سلاح الأعزل، وما يفرحني جداً أن هذه الحرب بكل مآسيها وسوءها قد بدأت تخلق تغييراً ملحوظاً في نمط وطريقة التفكير، وصار بعض الشباب أكثر تقبلاً للنقد والأختلاف، وأكثر سخرية أيضاً، وقد أرسل لي أحدهم أمس طرفة تقول:
“ضباط جيش قاعدين زينا كدا في مصر، سألناهم انتو مالكم قاعدين هنا، ردوا علينا وقالوا: “في حرب في السودان”.
واعترف ان هذه النكتة أسقطتني ضحكاً، وهي تليق تماماً بضباط جيش مقبل للختان مدبر حين القتال – وإنا لله.
أقسم بالذي خلقني، وخلق البرهان وسواه وعدله، انني أحس بسحاب من الخجل يطوقني من رأسي حتى قدماي، كلما تذكرت بانني كنت أصدق – حتى قبل جريمة فض اعتصام القيادة بأيام – بأننا لدينا جيشٌ نباهي به الأمم، حتى إذا جاءت الحرب إذا هي أضغاث أحلام، وإذا هو جعجعة ولا طحين، ولا ألوم نفسي كثيراً على حسن ظني السييء، فلا يزال هناك من يصدق حتى اليوم هذه الأكذوبة، حتى بعد أن ترك الجيش مهمته الأساسية في حماية الوطن والمواطن، وتفرغ للطهور!
الطهور يا برهان؟