تقرير: منعم سليمان
مقدمة
أثار حديث السفير الحارث إدريس، مندوب السودان (حكومة بورتسودان) لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة مجلس الأمن التي خُصصت لتناول الأوضاع في السودان ردود فعل واسعة ومتباينة في الأوساط السودانية.
فقد اعتبر مناصرو الجيش السوداني، وأغلبهم من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، المعروفة في السودان بـ (الكيزان)، حديث السفير الحارث نصراً دبلوماسياً كبيراً، بل ذهب البعض للإشادة بالسفير وشبهوه بـ “بشار الجعفري”، مندوب نظام بشار الأسد لدى المنظمة الدولية سابقاً، وهو ما اعتبره بعض الديمقراطيين السودانيين تأكيد للذم في موضع المدح، في إشارة للسفير السوري الذي أشتهر بإنكار جميع إنتهاكات نظامه في جلسات الأمم المتحدة.
وقالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في بيان لها أمس الأول، أن تصريحات السفير الحارث قد خرجت عن كل الأعراف الدبلوماسية واتسمت بالهتافية، وعدم احترام التقاليد التي تحكم التعامل بين الدول في المحافل الدولية، معتبرين التصريحات غير معبرة عن موقف السودان، الذي لا توجد سلطة شرعية فيه منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 ضد الحكومة المدنية الانتقالية، وأن تصريحات السفير الحارث تعبر عن موقف أحد طرفي النزاع (الجيش).
أصل الحكاية
كانت جلسة مجلس الأمن، التي انعقدت الثلاثاء الماضي 18 يونيو، قد شهدت سجالاً حاداً ابتدره المندوب السوداني عندما اتهم دولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، قائلاً أن حكومته تملك أدلة على تورط حكومة الإمارات في الحرب، وأضاف وهو يعدد ما زعم انها أدلة تثبت تورط الإمارات: أن حكومته وجدت (6) جوازات سفر لمواطنين إماراتيين في أرض المعركة، الأمر الذي استدعى رد مندوب الإمارات السفير محمد أبوشهاب، الذي وصف الإتهامات بـ”السخيفة”، كما وصف السفير “الحارث” بانه يمثل القوات المسلحة السودانية، وهي أحد أطراف الصراع في السودان، موضحاً بان بلاده ظلت تقدم الدعم للعمليات الإنسانية في السودان، مضيفاً بان ممثل القوات المسلحة السودانية (السفير) يجب أن يُسأل لماذا لا يذهب إلى محادثات جدة إذا كان يسعى إلى توقف الحرب ووقف معاناة المدنيين، قائلاً بان هذه المزاعم الزائفة ضد الإمارات إنما تأتي لتشتيت الإنتباه عن الإنتهاكات الخطيرة التي تحدث على الأرض، مؤكداً وقوف بلاده مع الشعب السوداني، ومع محادثات سلام تفضي إلى وقف الحرب وتقود إلى تشكيل حكومة مدنية.
حقيقة جوازات السفر الإماراتية
لم يمر يوماً واحداً على اتهامات سفير حكومة بورتسودان لدولة الإمارات، حتى قامت جهات أمنية سودانية بتسريب صور جوازات السفر الإماراتية موضع الإتهام، وتم نشرها على (فيسبوك) بواسطة حسابات مؤيدة للحركة الإسلامية السودانية (الكيزان)، وقد تبين بعد النشر أن صور جوازات السفر الـ (6) لم تكن كلها إماراتية، إذ اتضح انها (4) صور جوازات سفر إماراتية، فيما كانت الصورتين الأخريين لجوازات سفر يمنية، وهو ما يتناقض مع حديث السفير السوداني في جلسة مجلس الأمن، والذي كان يتحدث بثقة عالية، مكرراً أكثر من مرة بانها جوازات إماراتية، ووجدت في أرض المعركة.
كان التناقض بين صور الجوازات الإماراتية المنشورة على (فيسبوك) وما تحدث عنه السفير بجلسة مجلس الأمن هو الخيط الذي انطلقنا منه لمعرفة حقيقة جوازات السفر.
بعد بحث واستقصاء لم يستغرق وقتاً طويلاً، ومع تدقيق في صور جوازات السفر المنشورة اتضح لنا أنها صور حقيقة وغير مزيفة، وهي (4) صور لجوازات سفر إماراتية وجوازي سفر يمنيين، كما أكد لنا خبير في الأدلة الجنائية – نتحفظ عن نشر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية.
وقال لنا ضابط يعمل بإدارة الهجرة والجوازات في بورتسودان، أن جميع حملة هذه الجوازات لم يدخلوا السودان بعد تاريخ 15 أبريل 2023، وهو اليوم الذي بدأت فيه الحرب!
بعد التدقيق في صور جوازات السفر مرة أخرى، اكتشفنا أن أحد جوازات السفر المسربة، التي تحدث عنها سفير السودان في جلسة مجلس الأمن كدليل على تورط الإمارات كان جواز سفر منتهي الصلاحية، وهو جواز السفر الذي يخص خالد عبدالوهاب مصطفي أياز، وكنية عائلته (الخاجة)، ويحمل جواز سفر صادر من إمارة عجمان بالرقم: 91568242 كي، بتاريخ 29 مارس 2018 وانتهت صلاحيته بتاريخ 28 مارس 2023، أي أن جواز السفر قد انتهت صلاحيته قبل الحرب بـ (18) يوماً، فكيف يتنقل شخص بجواز سفر منتهى الصلاحية، ما أكد لنا أكثر بان صاحب الجواز قد زار السودان في وقت سابق قبل الحرب، وانه تم استخدام صورة جواز سفره كيدا، وهو ما يعضد أكثر حديث ضابط الهجرة بان لا أحد من أصحاب صور جوازات السفر قد دخل السودان بعد الحرب.