قالت صحيفة ليبراسيون (Liberation) الفرنسية إن الرهينة السابقة صوفي بترونين انتُقدت بشدة عند وصولها إلى فرنسا لاعتناقها الإسلام ولأنها تريد العودة إلى غاو بشمالي مالي حيث مكثت 4 سنوات في الأسر، ولكن أيضا لأنها اعتبرت أن آسريها يقاتلون من أجل تنمية مناطقهم وسمتهم “جماعات المعارضة المسلحة”، مما شكّل صدمة لبعض الفرنسيين.
وفي مقابلة مع ماريا مالاغارديس، قالت الصحيفة إنها الأخيرة التي تنوي صوفي بترونين إجراءها مع الصحافة، قالت الرهينة صاحبة المنظمة الإنسانية إنها تأمل الآن أن تُترك لحالها في سويسرا حيث تعيش مع عائلتها التي كافحت لإخراجها من شمالي مالي.
وتقول بترونين إنها لم تمس بسوء، وإنها قلقة على مالي أكثر من قلقها بشأن الخلافات في فرنسا، مع أنها لن تعود على الفور إلى غاو، حيث توجد منظمتها الإنسانية، على عكس ما فهم من تصريحاتها عند وصولها إلى باريس، خاصة وأن هجمات جديدة وقعت يوم الثلاثاء في وسط مالي وراح ضحيتها 20 شخصا.
وبعد عرض موجز عن أسرها وحديثها عن المعاملة الجيدة التي لقيتها وحصولها على الدواء ورفض آسريها الاحتفاظ بالأموال التي تلقتها من عائلتها لشراء الدواء، قالت إنها لا ترى أنها تحتاج الآن إلا إلى مقابلة طبيب الأسنان وطبيب العيون.
يرفضون التهميش
وعند سؤالها كيف تسمي خاطفيها الجهاديين “جماعات المعارضة المسلحة”، قالت بترونين إنها لم تسمع عندهم سوى نفس مطالب المجتمعات البدوية التي كانت تتردد على مسمعها منذ ما يقرب من 25 عاما في هذه المنطقة، مشيرة إلى أنهم مجموعات من الطوارق أو العرب الذين يعيشون في مناطق نائية، وهم يطالبون بتقوية الهياكل الصحية وبناء المدارس والآبار منذ عقود.
وأكدت أن النساء هناك ما زلن يمتن اليوم في هذه المنطقة المهجورة أثناء الولادة بعد نقلهن على ظهور الحمير إلى أقرب مركز صحي، قد يكون على بعد أكثر من 40 كيلومترا من مخيمهن، وأن منظمتها غير الحكومية في غاو تستقبل العديد من الأيتام.
أضافت “ومع أن شمال مالي شهد العديد من الانتفاضات والتمردات، وكانت فيه اتفاقات سلام، فإنه لم يتغير فيه شيء، مما جعل الغضب يتصاعد هناك”، موضحة أن ما يقال من شعارات دينية ليس مركزيا، وإن كانت الأرض أرض إسلام وأهلها يريدون لأولادهم تعليما أكثر انسجاما مع معتقداتهم، ولكن أولويتهم هي التنمية وإنهاء التهميش، وهم يحبون أن تنتهي الحرب.
وعند السؤال عن عودتها إلى مدينة غاو، قالت الرهينة السابقة إنها تنتمي إلى غاو حيث عاشت سنوات قبل اختطافها، وإن لديها هنالك ابنتها بالتبني التي ترجو أن تصل إليها بعد اكتمال إجراءات سفرها، والأهم أن منظمتها غير الحكومية كانت قبل اختطافها “على وشك توقيع عقد مع وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأوروبي لرعاية 25 ألف طفل يعانون من سوء التغذية، ولحسن الحظ، تمكن مساعدي من مواجهة التحدي في غيابي”.
وأضافت بترونين أنها رأت في غاو الكثير من المشاعر بعد الإفراج عنها، وقيل لها “الجميع في انتظارك”، ولكن أسرتها أيضا تستحق أن تبقى معها بعض الوقت، وخاصة ابنها سبستيان الذي كافح من أجل تحريرها والذي تأمل أن يعود معها يوما ما إلى باماكو، العاصمة الآمنة، أما العودة إلى غاو فتحتاج بعض الوقت حتى تتضح الأمور، “لعل اتفاقا سياسيا يوقع، أو لعل الانقلاب الذي وقع في مالي يغيّر من قواعد اللعبة”.
ولم تشعر بترونين قط بالتهديد قبل اختطافها كما تقول، موضحة أنها وجدت سيارة ومسلحين عند باب سكنها لما عادت من العمل مساء ذلك اليوم، وأنهم قالوا لها “تعالي، لقد طلب الرئيس إحضارك”، و”لم يكن في الأمر تهديد، بل ظننت أنه ربما كانت هناك حالة طوارئ صحية، قبل أن أدرك أنني تعرضت للاختطاف”.
نكران للجميل
وأكدت الرهينة السابقة أنها كانت في أسر حقيقي “وأنا لا أنكر ذلك”، مشيرة إلى أنها فكرت في الله سبحانه وتعالى وفي حفيدها الذي جمعت له الأحجار لبطانة قاع حوض أسماك الزينة، ولكنها فقدتها بسبب الانتقال من مكان إلى آخر، “ولكن حفيدي كان لا يزال موجودا في أفكاري. كنت أتحدث معه، لقد ساعدني ذلك على التمسك بالحياة”.
وفي المقابلة مع ليبراسيون، أكدت بترونين أنها أعلنت اعتناقها الإسلام أثناء أسرها، وقالت إن الاشتراك في الدين نفسه جعل التواصل مع خاطفيها أسهل، وجعلهم يفهمونها أكثر، مشيرة إلى أن بعض المختطفين الذين قابلتهم كانت علاقاتهم مع آسريهم معقدة، مما أدى ربما إلى قتلهم.
وعندما واجهتها الصحفية بأن تصريحاتها الأولى كانت مثيرة للجدل وتدل على بعض الجحود في مقابل السعر المدفوع من أجل إطلاق سراحها، قالت بترونين إنها لا تعرف شيئا عن المفاوضات التي أجريت لتحريرها إلا ما كان من جهود ابنها، خاصة أن آسريها وعدوها مرات عدة بالمغادرة دون أن يحدث ذلك.
وختمت الرهينة السابقة بأن الجدل الذي حدث لم يؤثر عليها وأنها لا تريد أن تخلق صراعات، ولكنها لا تعرف كيف تكذب، مشيرة إلى أن الشيء الوحيد الذي يثير اهتمامها الآن هو أن “أخدم، لا أقول الإنسانية لأن ذلك كبير علي، ولكن أستمر في تخفيف معاناة هؤلاء الأطفال الذين أعتني بهم في غاو. سأواصل مع مساعدي في الموقع حتى لو كان ذلك عن بعد”.