حذر مصدر سياسي سوداني، من إقليم دارفور، أمس الخميس، من تداعيات أزمة كبيرة، بسبب رفض تعيين رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي حاكما عاما لإقليم دارفور، مشابهة لتلك التي حصلت بعد رفض تعيين والي كسلا، والذي جرى إعفاؤه بعد شهور نتيجة للعنف الذي رافق عملية الرفص.
وقال المصدر دون كشف هويته لـ«القدس العربي»: «مناوي من القادة المناضلين ويعرفه أهل دارفور جيدا، وسبق له أن كان رئيسا للسلطة الانتقالية بعد توقيعه اتفاق أبوجا عام 2006، لكن المعضلة ليست في شخصه بل في كونه رغم مضي 6 شهور من توقيع السلام، لم يأت إلى دارفور للتعرف على الواقع والمتغيرات، بل اكتفى بالضغط على الحكام في الخرطوم لتعيينه، بدلا من الضغط عبر الجماهير في الولاية، بالإضافة إلى أن الإقليم هذه المرة، سيقلص دور الولايات أن لم يكن سيلغيها، وهو عكس ما كان عليه الحال عند تكوين السلطة الانتقالية في زمن (الرئيس السابق عمر) البشير».
استقطاب واصطفاف
وتابع: «الآن، بوادر الاستقطاب والاصطفاف لمقاومة هذا الواقع الجديد طابعها قبلي بحت، بمعنى أنه يتجاوز الأحزاب السياسية، والخطورة أن قرار التعيين تم ولم يسبقه مؤتمر الحكم الإقليمي، الذي بموجبه سيتحدد مصير الولايات التي تعوّد الناس عليها لأكثر من عشرين عاما، ونشأت مصالح كثيرة، وترسخت مفاهيم خاطئة بأن القبائل تحكم نفسها في مناطقها بشكل غير مباشر عبر أبنائها، والآن هناك من يقوم بتسميم الأجواء عبر القول ان الحكومة تخلت عنهم وتريد تسليم إقليم دارفور لقبيلة واحدة بعينها وتهميش بقية مكونات دارفور الأهلية».
هذه التعقيدات، تبعاً للمصدر، كانت «تستدعي من الحكومة أن تطمئن الناس عبر مؤتمر الحكم لتوضيح مصير الولايات، وقبل ذلك بدء عملية المصالحات والعدالة الانتقالية، وفي ظل غياب هذين الأمرين المهمين للغاية، فإنه في ظل الأجواء الماثلة الآن، نجد أن هناك أرض خصبة للفتن لأن الحرب ولدت غبنا متبادلا، وفي ظل المجهول الآن، نجد أن هناك اصطفافات قبلية، وربما تقود لما لا يحمد عقباه، خاصة وأن السلاح منتشر بكثافة وتشاد مضطربة للغاية بعكس الحال الذي كان عند تعيين والي كسلا الذي جرى رفضه بالتظاهرات السلمية إلى أن تمت اقالته».
وكان والي ولاية وسط دارفور، عبد الرحمن أديب، وصف تعيين مناوي بأنه «قرار متسرع». وشدد على أن مثل هذا التعيين «يتطلب مشاورات وليس قرارات» حسب صحيفة «الصيحة».
«ليست حكومة ثورة»
كذلك انتقد القيادي في الحزب الشيوعي، صديق يوسف، قرار تعيين مناوي، واعتبر أنه «لا يوجد أي نص يحمل مضمون هذا القرار بالوثيقة الدستورية».
وقال في تصريح لـ«الجريدة» : إن «جميع الإجراءات التي قامت بها الحكومة الانتقالية مخالفة للوثيقة الدستورية، وليس قرار تعيين مناوي وحده وهذا النوع من القرارات بعيد عن الشعب».
ووصف أي تعديل للوثيقة الدستورية بأنه «مخل» وأضاف أن «مجلسي السيادة والوزراء أصبحا يتصرفان في الوثيقة في ظل غياب المجلس التشريعي».
وشن هجوماً على الحكومة، موضحاً أنها «ليست حكومة ثورة ولا تعبر عن الشعب لأنها بعيدة عن أهداف الثورة».
وفي رده على سؤال حول مشاركة الحزب الشيوعي في مليونية التاسع والعشرين من رمضان، قال: «نحن لسنا ضد أي حراك جماهيري»
أما الصادق آدم إسماعيل، عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وعضو المجلس الأعلى للسلام، فقد قال لـ«الجزيرة نت» انه «كان من الأفضل الانتظار لحين انعقاد مؤتمر نظام الحكم، الذي سينعقد في غضون 30 إلى 45 يوما».
وواصل: «هناك تأخير في مصفوفة المواقيت المتعلقة بتنفيذ اتفاق السلام، لكن خلل المواقيت طبيعي ويجب عدم التسبب في خلل في النصوص».
وتوقع «نتائج سياسية سلبية جراء هذا التعيين يتمظهر في مشاكسات ولاة ولايات دارفور الخمس، فضلا عن حدوث تعبئة سياسية مضادة».
في المقابل، دافع مساعد رئيس حركة تحرير السودان لشؤون الإعلام نور الدائم طه عن قرار تعيين مناوي.
وقال في تصريحات صحافية «هذا القرار جاء في إطار إنفاذ مصفوفة اتفاقية السلام».
وأضاف: «الحكم الإقليمي مطلب قديم تمت المناداة به في كل مؤتمرات القوى السياسية السودانية ودعمته وثيقة الفجر الجديد والوثيقة الدستورية واتفاقيات أبوجا والدوحة».
وبين أن «مناوي لن يذهب لدارفور خالي الوفاض من الصلاحيات بل سيكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن الولاة ويقوم بتعيينهم بالتشاور مع حمدوك» موضحاً أن «التعيين جاء وفقاً لما تم الاتفاق عليه في جوبا بأنه إذا فشلت الحكومة في قيام مؤتمر الحكم والادارة خلال 6 أشهر عليها إعلان الإقليم».
وقال: «حتى مؤتمر الحكم والادارة فني ولا علاقة له بالمطالب السياسية والاقتصادية المضمنة أصلاً في الاتفاقية».
وعيّن رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الأحد الماضي، مناوي حاكما لإقليم دارفور المكون حاليا من 5 ولايات.
وجاء القرار استنادا إلى الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية واتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية والفصائل المسلحة العام الماضي.
ويتوقع أن يؤدي تعيين مناوي إلى إعاقة جهود التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور.
وقال حمدوك إن تعيين مناوي يتماشى مع اتفاق جوبا للسلام حيث وافقت الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام على ترشيحه لهذا المنصب.
وأقرت اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة نظام حكم فدراليا من 8 أقاليم بدلا عن النظام الحالي (18 ولاية).
وأصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في مارس/ آذار الماضي مرسوما دستوريا بإنشاء نظام الحكم الإقليمي الفدرالي عقب انعقاد مؤتمر نظام الحكم، الذي يحدد الأقاليم وعددها وحدودها وهياكلها واختصاصاتها وسلطاتها ومستويات الحكم والإدارة.
وينتظر أن يقرر مؤتمر نظام الحكم الذي شُكلت لجانه وتعمل ورشه في الخرطوم والولايات، ما إذا كان السودان سيطبق نظام الأقاليم أسوة بدارفور أم سيبقى الحال على ما هو عليه بنظام الولايات.
القدس العربي