الفشل ليس عيباً، لأنه كثيراً ما يتحول إلى دافعٍ للنجاح، ويصبح منصة انطلاقٍ لمعالجة الأخطاء والاجتهاد لتلافيها، لكننا لا نستطيع أن نهضم التغطية عليه بالكذب والادعاء، ولن نقبل التدليس الذي مارسته وزارة الصحة الاتحادية، عندما نفت خبراً صحيحاً، تحدث عن وفاة مرضى في أحد مراكز العزل التابعة لها بالخرطوم بسبب انقطاع الكهرباء.
عندما انتشر الخبر الموجع وأصاب الناس بالصدمة سارعت الوزارة إلى إنكاره ببيان ضافٍ، ووصفته (بالإشاعة المغرضة، والتغريدة المرعبة)، وادعت أنه كذوب وعارٍ من الصحة، ويهدف إلى إشاعة الرعب والبلبلة، واتهمت من نشروه بالتدليس.
ورد في البيان الفضيحة ثلاث فقرات، حوت ما يلي: (أولًا: لا يوجد بمستشفى الشعب مركز عناية مكثفة لمرضى كورونا، إنما هناك عنبر عزل أولي لمرضى الكورونا، ولم تسجل المستشفى أي حالة وفاة بسبب الكورونا أو غيره في الأيام المذكورة).
(كذبة أولى).
هناك ثلاثة مرضى فقدوا حياتهم إهمالاً، وأنكرتهم الوزارة المكلفة بعلاجهم، وليس قتلهم.
(ثانيًا: المستشفى لا يعاني من أزمة الكهرباء التي تعم البلاد، ويمتلك ثلاثة مولدات أحدها بسعة 1000 KV، يفيض عن حاجة المستشفى من الكهرباء، وحتى إذا انقطع التيار العام تعمل المولدات بشكل تلقائي في كسرٍ من الثواني، والأمر الأهم أن أجهزة الأوكسجين غير مرتبطة بالكهرباء).
(كذبة ثانية).
الكسر الوارد في البيان الكذوب اتصل بقلوب ذوي المتوفين، وليس بالكهرباء.
(ثالثًا: وزارة الصحة بولاية الخرطوم تتكفل بوقود المولدات على حساب الوزارة (مجانًا) ويتم التصديق للوقود أسبوعياً، وتؤكد الوزارة أن الإعلام شريك أساسي في رسالة الوزارة، وتعتبر تلك الجهات شريكاً أصيلاً في تقديم الخدمة، والرقيب الشرعي والعين الساهرة التي تعمل الوزارة على وضع ملاحظاتها قيد التنفيذ، إلا أن “الإشاعات المغرضة” التي تستهدف المستشفيات النموذجية، بغرض النيل من الإيجابيات في النظام الصحي “وإثارة الهلع والخوف” لدى المواطنين).
(كذبة ثالثة)، دحضها الدكتور عمر النجيب، وزير الصحة الاتحادي عندما أقر بالواقعة، واعترف بوفاة ثلاثة مرضى، كانوا موجودين مع ثلاثة آخرين في مركز للعزل بمستشفى الخرطوم، وانقطع عنهم التيار الكهربائي.
من أصدر البيان الكارثي، وتعمد تضليل الرأي العام بنفي الواقعة الثابتة يستحق الإقالة.. والمحاكمة.
وصف الوزير الحادثة بالمؤسفة والمخيفة، وقال إنه (يتمنى) من الإخوة في مراكز العزل في الخرطوم إجراء تحقيق (للاستفادة من التجربة وضمان عدم حدوثها مجدداً)!
هي بالفعل واقعة مؤسفة ومرعبة، لكن موت المرضى بالإهمال ينبغي أن لا يوصف عن الوزير (بالتجربة).
إذا كان الوزير المسؤول الأول عن قطاع الصحة في بلادنا يكتفي بالأمنيات، إزاء أخطاءٍ فادحةٍ تؤدي إلى موت الناس في المستشفيات بالإهمال، فمن ذا يعمل؟
ومن ذا يُحاسب ويُعاقب؟
لو وقع الحادث الموجع في أي دولةٍ تحترم مواطنيها، وتحرص على سلامتهم، لطارت له الرؤوس، ابتداءً بالوزير المشغول بحلو الأمنيات، وانتهاءً بمن صاغ البيان الكذوب ونشره كي يضلل به الناس، لكننا نعيش في دولة لا تقيم وزناً لحياة مواطنيها، ولا تهتم بتوفير أبسط الحقوق لهم، وتقتلهم بالفشل والإهمال والتواكل.
لماذا ينتظر وزير الصحة من غيره أن يحقق في كارثةٍ راح ضحيتها ثلاثة أبرياء، وسعت وزارته إلى نفيها والتغطية عليها بكذبةٍ بلقاء، وبيانٍ يستحق أن يوصف بالفضيحة؟
ما دوره كوزير؟
لماذا يكتفي بالتمني، طالما أنه يمتلك سلطة المحاسبة؟
تزداد مساحة الوجع اتساعاً إذا علمنا أن الحاج أحمد محمد، أحد الثلاثة الذين فقدوا أرواحهم في الحادثة المؤسفة، حضر إلى الخرطوم من مدينة مروي لمعالجة جرح بسيط للسكري، وتم إدخاله أحد المستشفيات الخاصة، ليصاب فيها بالكورونا، ويتم تحويله إلى مستشفى إبراهيم مالك، ومنها إلى مركز العزل بمستشفى الخرطوم، حيث قضى نحبه إهمالاً.
من لم يمت بالكورونا وإغلاق المستشفيات وانعدام الأدوية في بلادنا المنكوبة بالفشل مات بانقطاع التيار والإهمال المريع.
حسبنا الله ونعم الوكيل.