الخرطوم : أحمد جبارة
أثار المقترح الذي قدمته الأمارات بشأن نزع فتيل الازمة بين السودان وإثيوبيا جدلا وأسعا في أطراف القوى السياسية والأسافير ، ففي الوقت الذي رفضه البعض لجهة إنه يسعى لتقسيم أرض الفشقة ، اعتبره البعض الاخر بالقنبلة الموقوتة ، مؤكدين ، أن الامارات تسعى لفرض نفوذها وسيطرتها على السودان بهكذا مبادرات ، وبين هذا وذاك ، يذهب مراقبون إلى أن الهدف من المبادرة الاماراتية هو الحفاظ على إستثمارات الامارات في السودان وإثيوبيا لجهة أن اي إستثمار لايتوفر له مناخ أمن سيكون محصلته صفر .
*موافقة الحكومة
وكانت الحكومة أعلنت موافقتها على مبادرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، للتوسط بينها وبين إثيوبيا لحل خلافاتهما الحدودية، ومشكلة “سد النهضة” ، وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، وزير الثقافة والإعلام حمزه بلول، أن قرار الموافقة اتخذ خلال اجتماع لمجلس الوزراء الانتقالي، في 23 مارس المنصرم ، وقال بلول إن “الإمارات عرضت مبادرة للتوسط بين السودان وإثيوبيا حول الحدود”، وكذلك “الوساطة لحل خلافات السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الإثيوبي”، مؤكداً أن مجلس الوزراء السوداني “أكد استعداده للتعامل مع المبادرة، وفق المصالح العليا للبلاد”.
- مبادرة غامضة
الشاهد أن الحكومة السودانية لم تكشف عن تفاصيل مبادرة الامارات وهو الامر الذي اعتبره مراقبون بأنها لا تنسجم مع مصالح السودان العليا ، بجانب إنها تسعى إلى إرضا إثيوبيا وذلك بإعطائها جزء من أرض الفشقة السودانية ، وهنا يقول رئيس الحركة الشعبية وعضو مجلس السيادة مالك عقار ، إن أبو ظبي تريد تقسيم المنطقة والخرطوم لن تقبل بذلك ، وتابع ، الإمارات التي تقع خلف البحار تريد أن توزع أرضنا ، وأن هذا الأمر سيرمي بظلاله وتبعاته على المنطقة” وأضاف في تصريحات صحفية : “لم يكن هناك نزاع في الفشقة وهي أرض سودانية“، مشيرا إلى أن “النظام البائد بقيادة المخلوع عمر البشير هو الذي خلق الأزمة ورباها مثل الثعبان وصولا إلى مرحلة اللدغ” ، معلنا في ذات الوقت رفضه للمبادرة الإماراتية والتي قال عنها لا تسعى لحل الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا.
*القضارف على الخط
وليس ببعيد عن عقار ، فإن تجمع أهل القضارف بدوره رفض المبادرة الإماراتية لحل النزاع بين السودان وإثيوبيا في منطقة الفشقة، معللا السبب بأنه “لم يتم أشراكنا ونرفض أي مبادرة لم نشارك فيها” ، وقال الناطق الرسمي للتجمع مبارك النور في تصريحات صحفية، إن “التجمع رفض المبادرة الإماراتية لحل الخلاف مع إثيوبيا في منطقة الفشقة الحدودية” وتابع ” نحن أصحاب المصلحة ولا نعرف تفاصيل المبادرة” ، وأضاف: “الضرر الذي تعرض له مواطنو الفشقة يعادل 30 مليار دولار، طيلة فترة احتلال الفشقة”، مشيرا إلى أن “القوات المسلحة استردت 75% من الأراضي التي سيطرت عليها القوات الإثيوبية وتبقى 25%” ، وتابع: “أن تحرير الفشقة محتاج لتنمية وتوطين المواطنين في الشريط الحدودي وتسليمها لأصحابها لزراعتها هذا الخريف وتسهيل التمويل اللازم لهم”. - قنبلة موقوتة
فيما وصف القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار المبادرة الامارتية للتوسط بين السودان وإثيوبيا بالقنبلة الموقوتة ، مؤكدا أن الامارات تسعى لفرض نفوذها على السودان وهو الأمر الذي يتمثل في تدخلها في بعض الدول ، لافتا إلى إنه ليس هنالك نزاع حدودي بين السودان وإثيوبيا وأن كل الامر هو إحتلال إثيوبيا للأراضي السودانية وأن السودان قام بدوره وأرجعها لحضن الوطن ، وقطع بأنه لاتحتاج إلى مبادرة ، داعيا الامارات إلى حلحلت مشاكلها الحدودية مع إيران بدلا عن حل مشاكل الدول الاخرى -في إشارة منه لإحتلال إيران لبعض الجزر الاماراتية – وقال كرار في تصريح لـ(الجريدة) : إن كانت هنالك ثمة مبادرة ووساطة يجب أن تكون من دول المنطقة والاتحاد الافريقي وليس من الامارات لجهة أنها ليست من دول الاقليم ، وفيما رفض كرار المبادرة ، دعا في الوقت نفسه ، الحكومة إلى ضرورة أن تكون صاحبة سيادة وقوية لجهة أن الثورة من شعاراتها أن يكون السودان مستقل وصاحب إيرادة حقيقية ، مؤكدا أن إقتراح الامارات لهذا المبادرة لم يكن ناتج عن فراغ بل جاء نتاج لضعف النظام في السودان ، واردف ، الامارات تريد الدخول في اي ملف في السودان وذلك لفرض هيمنتها ونفوذها عليه .
*فرص المبادرة
وبينما رفض كرار المبادرة ، أعتبر المحلل السياسي الفاتح محجوب ، أن ما يتم تناقله عن المبادرة الاماراتية الان يعد ضرب من التكهن لجهة إنه حتى الان لم ترد معلومات رسمية عن طبيعة الوساطة ، وأستدرك قائلا ” لكن عموما اي طرح يقدم في الوساطة هو عبارة عن تقريب بين مواقف الطرفين اي يمكن ان تكون تعبير عن مقترح اثيوبي وتم نقله للأمارات ، وأضاف في تصريح لـ(الجريدة) : الامارات لديها مصالح كبيرة في اثيوببا والسودان ولذلك مساعيها يمكن ان تكون لها بعض الفرصة في النجاح .
ويتفق الخبير العسكري العميد يأسر أحمد محمد الخزين مع حديث محجوب ، إذ يرى أن المبادرة تهدف إلى تأمين إستثمارات الامارات في المنطقة لجهة أن اي إستثمار لا يتوفر له مناخ أمن سيكون صفرا ، واعتبر الخزين في تصريح لـ(الجريدة) أن المبادرة الامارتية ليس في موضعها باعتبار أن ارض الفشقة سودانية لذلك لاتحتاج إلى إثبات هذا الحق من اي جهة وهو الامر الذي تحدده خريطة جورج كوين مدير المساحة البريطاني والذي- بحسب الخزين -رسم الحدود بين إثيوبيا والسودان ،وأضاف ، كذلك الامارات تعلم أن الحدود السودانية الاثيوبية قد رسمت منذ العام 1902 ولانزاع حول الحد الفاصل لانه موثق ومعترف به دوليا ، وأستدرك ، لكن الامارات تسعى لتهدئة الاوضاع بما يضمن مصالح الطرفين ، وتوقع الخبير العسكري ، أن ترفض المبادرة من الحكومة باعتبارها وجدت سند قوي من الشعب السوداني ودافعت عن حدوده وأستردت ٩٥٪ من أراضي الفشقة . - فلاش باك
وكان الجيش السوداني أعاد نشر قواته في أراضي الفشقة، وضم أراضي زراعية كانت تحتلها أثيوبيا ، في وقت تطالب فيه أديس أبابا بضرورة إنسحاب الجيش السوداني من المنطقة، باعتبارها أراضي إثيوبية ، وهو الامر الذي تعده الخرطوم بـ”نقض العهود والمواثيق” التي أبرمتها سابقاً مع إثيوبيا بشأن الحدود، وشددت الحكومة على أن القوات المسلحة، لن تتراجع عن مواقعها في الحدود الشرقية، كونها “لم تكن معتدية” ، كما شدد رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، خلال حديثه لضباط وضباط صف وجنود بمنطقة بحري العسكرية، على عدم التفاوض مع إثيوبيا قبل اعترافها بأن الأراضي التي استعادها الجيش السوداني، تابعة للخرطوم ، فيما أكد عضو مجلس السيادة الانتقالي ياسر العطا، أن السودان يملك “الوثائق كافة”، التي تثبت أن ترسيم الحدود بين السودان وإثيوبيا “أمر محسوم بالفعل”.