تحقيق: عباس محمد
في الساعة السابعة وعشرين دقيقة من مساء الجمعة، وبشكل مفاجئ، انقطع التيار الكهربائي عن مركز الخرطوم للعزل المخصص لمرضى (كوفيد-19).
الدقائق التي أعقبت هذا الإطفاء المفاجئ، كانت بداية لانطلاق العد التنازلي لحياة: مسعود سعيد (62) عاماً، خديجة محمد (60) عاماً، أحمد حمد (85) عاماً. ثلاثة مرضى من جملة ستة كانوا تحت أجهزة التنفس الصناعي، ولم تفلح في إنقاذهم محاولات الإنعاش بواسطة الطواقم الطبية.
حالة استنفار
في الفناء الخارجي للمركز؛ تجمهر أحباء وذوو المرضى، يلهجون بالدعاء الذي لا يقطعه سوى صوت المجيب من موظفي غرفة طوارئ الكهرباء. وفي حديثي مع ابن المتوفاة خديجة محمد، ويدعى مصطفى أحمد ضحوي. قال: “تجمعنا أمام المدخل وأمسكنا بهواتفنا نستعجل غرفة بلاغات الكهرباء بضرورة إرجاع التيار”.
أضاف: “الموظف أبلغنا بوجود عطل في أحد المحولات وستتم معالجته سريعاً”. واصل محدثي: “بعد 17 دقيقة عادت الكهرباء، ولكن كانت المفاجأة، أن الجانب الجنوبي المخصص للعناية بالمرضى لايزال مظلماً تماماً”.
داخل القسم الجنوبي من المركز؛ كانت حالة الاستنفار القصوى هي العنوان، كل الكوادر العاملة من أطباء وممرضين واختصاصي العلاج النفسي ارتدوا الملابس المخصصة للوقاية، وهرعوا إلى غرف العناية، في محاولة لإنعاش المرضى
غياب التحقيق
المفاجأة حتى لحظة كتابة هذه السطور، أنه لم يجر مركز الخرطوم للعزل أو وزارة الصحة الولائية والاتحادية أي تحقيق للوقوف على أسباب انقطاع الكهرباء، وفشل المولد الاحتياطي الموجود في تزويد المركز بالطاقة المطلوبة. بل أصدرت وزارة الصحة بياناً للتعتيم على كارثة مركز الخرطوم للعزل، مستفيدة من خلط الناس بين أسماء المباني (الخرطوم/الشعب).
تجاهلت الوزارة الحقيقة، وبدلاً عن الإشارة إلى أن الحادث لم يقع في مستشفى الشعب وإنما في المبنى المجاور، والاعتراف بأن التيار الكهربائي تسبب في تعريض حياة (6) مرضى للخطر، توفي (3) منهم في الحال، وتم نقل (3) آخرين إلى مركز جبرة، اختارت أن تضلل الناس.
وفي اتصال بأحد فنيي الكهرباء، يدعى بشير جبريل، التحق بالعمل بمستشفى الخرطوم منذ العام 1987 وغادرها في العام 1992.
يعمل حالياً بشكل حر، وسبقت للمركز الاستفادة من خدماته في توصيات ومعالجة بعض الأعطال.، قال: “لم يتم استدعائي تلك الليلة، وعلمت في صباح اليوم التالي -السبت- بما حدث”.
وأوضح جبريل أن محاولات تشغيل المولد وتحريك مفتاح التأمين هي التي تسببت في قطع التيار عن القسم الجنوبي.
أضاف أن هناك رواية متداولة مفادها أن أحد مرافقي المرضى حاول تشغيل المولد بعد انقطاع التيار العام، وقام بوضع التأمين من داخل وحدة التحكم بشكل خاطئ، تسبب في منع دخول الكهرباء من المولد، ومن التيار العام عقب عودته. يؤكد جبريل: “هذه الرواية نقلها زميلنا الذي تم استدعاؤه من منزله ليل الجمعة، ليجد أن وحدة التحكم موضوعة في حالة إغلاق”.
واصل جبريل حديثه لـ (الجماهير) بعد إبلاغ إدارة الكهرباء بانقطاع التيار، حضر فريق للمستشفى وأجرى فحصاً أكد به وجود كهرباء في الخط العام، وكهرباء خارجة من المولد، وطلب من الفنيين مراجعة توصيلات المبنى الداخلية.
سألت جبريل: “كيف تفسر عودة التيار الكهربائي للمبنى الشمالي بعد 17 دقيقة، وانقطاعها عن المبنى الجنوبي المخصص للمرضى؟!”. أجاب: “أي مبنى موصل عبر كيبل منفصل، ووحدة تحكم منفصلة، وهذا يعزز رواية مفتاح التحكم”.
لكنه عاد وقال: “هل يمكن لمرافق الوصول إلى هذه الغرفة؟!”. وترك هذا السؤال المفتوح دون إجابة، سوى إشارات تستوجب فتح تحقيق عن هذه الليلة الكارثية.
ما قاله جبريل وضعته أمام ابن المتوفاة خديجة، وسألته إذا ما لاحظ تشغيل المولد، قال إن بعض ذوي المرضى ذهبوا ناحية المولد، لكن لم يقم أي أحد بتشغيله.
إحدى الموظفات بالمركز أكدت أن المولد لا يعمل بالكفاءة المطلوبة أساساً، وأنه يحتاج إلى بعض المعالجات، هذا أيضاً ذكره جبريل.
غياب الفنيين
في تتبعنا للقصة؛ اكتشفنا أن المركز لا يوجد به مهندس كهربائي متخصص، بل يعتمد على فنيين للكهرباء، ويطلب آخرين من السوق في أي خدمات مقابل أجر (مقاولة). هذا الاتجاه وفقاً لأحد الإداريين في المستشفى خلق غبناً بين الفنيين.
إغلاق الخط
اتصلت بالطبيبة سارة علام، مديرة مركز الخرطوم للعزل، بعد أن عرفتها بأسمي وصفتي، ردت: “لا أرغب في الحديث للصحافة”.
كررت الطلب: “عليك الاستماع فقط للأسئلة: هل هناك وفيات في المركز ليل الجمعة؟! هل قمتم بفتح تحقيق؟!”.
ردت قائلة: “اذهب إلى وزارة الصحة”.
طلبت منها التأكيد أو النفي، وأنني سأتصل بالوزارة. قامت بإغلاق الخط.
صحيفة الجماهير