بيان رقم (145)الحمد لله القائل: ﴿ أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ﴾[ المائدة : ٥٠ ] والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ القائل : (إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكم) رواه أبو داوود أما بعد:فإنّ مما يُروّجُ له اليوم بقوة وكثافة أكثر من أي وقت مضى؛ مبدأ العلمانية، بل وصل الحال إلى مرحلة فرضها بالقوة على الناس. ومن آخر ذلك توقيع الحكومة السودانية رسمياً على اتفاقية إعلان المبادئ والذي ينص صراحة على علمانية الدولة السودانية، وحياديتها في القضايا الدينية، وكفالة حرية المعتقدات وألا تتبنّى الدولة أي ديانة لتكون رسمية في البلاد.وإزاء هذا التطور والتسارع المشبوه الذي يتهدد هُوية المسلمين في السودان يتوجه علماء الأمة ببيان جملةٍ من الأمور إعذاراً لله وإنذارًا للخلق:أولاً: إنّ من أعظم محكمات الدّين وأصول الإيمان التسليم والخضوع (علماً وعملاً) لشريعة الإسلام، وعدم تقديم غيرها من النُّظم والتشريعات على كلام الله ورسوله ﷺ، يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات:1). فالإقرار بهيمنة الشريعة وحاكميتها وتقديمها والقبول بها قولاً وعملاً دون أي شرط أو استثناء هو قاعدة الإيمان وأصله كما قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)ثانياً: إنّ إقامة دنيا الناس تبع لإقامة دينهم فلا يجوز أن يُضحِّي الحاكم بدِين الناس من أجل إقامة دنياهم، فالغاية التي من أجلها خلق الله الثقلين هي عبادته وإقامة دينه؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ 56﴾ [الذاريات: 56].وأي اتفاق يقوم على إقرار مبدأ العلمانية وتنحية الإسلام وشرائعه وأحكامه إنّما هو في حقيقته خضوعٌ لأعداء الله وحربٌ مع الله، ومن ارتضاه فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين، ليس له في الإسلام من نصيب، وإِنْ صَلَّى وصام وزعم أنَّه من المسلمين؛ قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ (٨) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد:8-9]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ (٢٥) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ (٢٦) فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ (٢٧) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 25-28]ولمّا كان دعاة العلمانية كارهين لما نزّل الله على رسوله محمد ﷺ؛ فإنّ كل من قال لهم: سنطيعكم في بعض الأمر، فهو داخل في وعيد الآية. فالحذر كل الحذر من الدخول في الذين قالوا: (سنطيعكم في بعض الأمر ).يقول شيخ الأزهر الراحل محمد الخضر حسين رحمه الله : (فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين ولا يُقْدِم عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين).ثالثاً: مبدأ التّمرد على الدين والكنيسة الذي وقع في أوروبا؛ والذي تطور وأصبح هو (العلمانية) كان لأسباب معينة؛ دين محرف في شرائعه وأحكامه ترتب عليه استغلال ذلك التحريف بتقديس رجال الكنيسة ومنحهم السلطة المطلقة. وهذا السبب غيرُ موجود في دين الإسلام أو في شرع الله أو في كتاب الله أو في سنّة رسول الله ﷺ.
ومن عجائب الدّهر بعد هذا البون الشاسع بين الإسلام دين الله الحق والنصرانية المحرفة أن تنتقل تلك الفكرة الخبيثة بحذافيرها إلى بلاد الإسلام، وأن يُحكم على الدين الإسلامي كما حكمت أوروبا على النصرانية المحرفة الجائرة، ويُعلن الحرب على الإسلام وشرائعه وأحكامه، حتى يعتبر الإسلام هو العائق دون النهوض، وأنه سبب الفقر والبطالة والحروب والفوضى، بل ويرمونه بالوحشية والإرهاب؛ أملاً منهم في نبذ أهله له؛ وتخلصهم منه؛ ولكن هيهات هيهات؛﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾. “[ التوبة ٣٢]، وعليه فلابد من التخلص منه.
وأخيرا نوجز ختام هذا البيان بنصيحتين:الأولى: نصيحةٌ خالصةٌ نتوجه بها لمجلس الحكم الانتقالي في السودان أن يراجعوا أنفسهم وينظروا لعواقب ما يقدمون عليه من الاتفاقيات خصوصاً ما يسمى اتفاق إعلان المبادئ الذي يرسخ لعلمانية الدولة السودانية، وليعلموا أنّهم بهذه الاتفاقية إنّما اختاروا حكم الجاهلية وفضلوه على حكم الله، والله تعالى يقول: ﴿ أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ﴾[ المائدة : ٥٠ ]فالإسلام هو دين الاستسلام والانقياد والخضوع والطاعة لله وحده لا شريك له، وهو الأصل في غالب الشعب السوداني وسواده الأعظم وما عداهم قلةٌ قليلة، وشعب السودان المسلم يرفض العلمانية بكل صورها، بل يرفض ذرائعها ووسائلها، ومن ثم فمبدأ العلمانية: “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله” مرفوض في وطنٍ هُوية أهله “لا إله إلا الله”.وليعلم مجلس الحكم الانتقالي أنّ للعلمانية افرازات خطيرة، فهي أكبر وأخطر مهدد للسلم والأمن في المجتمعات وما يَحصُلُ بين النّاس مِنِ اختِلالٍ وَزَعزَعَةٍ وَخَوفٍ وَشَرٍّ، سببه هو استحلال ما حرّم الله من الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ والبغي والظُّلمِ بدعوى العلمانية، وَلا تَسقَطُ المُجتَمَعَاتُ وَلا تَنهَارُ الحَضَارَاتُ، إِلاَّ بِظُهُورِ الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ والبغي والظُّلمِ.الثانية: نصيحةٌ لكلِّ العقلاء في السودان؛ علماء؛ وإعلاميين؛ ومفكرين وسياسيين؛ أن يقفوا صفاً واحداً؛ لإسقاطِ سائرِ البنودِ المتعلقةِ بالعلمانيةِ وفصلِ الدين عن الدولة؛ ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال ٧٣]. فالتساهل مع هذا الخطب الجلل وترك مواجهته سيفضي لفوضى عارمة ربّما انفرط معها أمن البلاد وأمان العباد ومهدت مناخاً لتقسيم السودان والذي نؤكد على وجوب المحافظة على هويته الإسلامية وأمنه ووحدة أراضيه.حفظ الله السودان وأهلها من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطنوالحمد لله رب العالمينالهيئات والروابط العلمائية الموقعة على البيان:1- رابطة علماء المسلمين .2- هيئة علماء ليبيا . 3- رابطة علماء المغرب العربي4- رابطة علماء إرتريا5- هيئة علماء فلسطين 6- رابطة علماء أهل السنة بالعراق7- ملتقى دعاة فلسطين 8- الهيئة الدائمة لنصرة القدس وفلسطين في لبنان 9- رابطة علماء فلسطين في لبنان 10- رابطة علماء السوريين 11- التجمع الإسلامي في السنغال 12- ملتقى علماء فلسطين 13- هيئة علماء لبنان