تتناقل وسائل الإعلام كل يوم مجموعة أخبار تشير في مجملها من قريب أو بعيد الي مظاهر التفلتات الأمنية وتنوع إنتشار الجريمة بكل ضروبها ومسمياتها والتي كنا نشاهدها فقط في الأفلام ونقرأها في روايات أجاثا كريستي .كنا صغارآ نسمع عن البطل والخائن .لا ندري معني الخيانة ولكن لكاتب السيناريو ولمخرج الفيلم وكاتب الرواية رؤية عميقة كانت تحلق بنا في سماوات الإبداع ،معظمها لم تكن قصصآ واقعية ولكنه خيال المبدع والكاتب .
تحول المجتمع الآن وأصبح مصدر إلهام حقيقي وفعلي لهؤلاء المبدعين في أن يعكسوا قصصآ وروايات وأفلام أبطالها حقيقين من أرض واقع حيث لا يمضي يوم الا وأنت تسمع عن جريمة قتل تهتزلها أركان المجتمع وتقلق رجالات الشرطة كيف لا وقد تطورت الجريمة وإستبقت الجهات الشرطية والعدلية التي ما فتئت تطور آليات مكافحة الجريمة وتبحث عن أحدث السبل لمكافحة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود وجرائم المعلوماتية .
الجريمة لا دين لها ،ولا في إيدها جواز سفر ،نجدها في الدول النامية والمتقدمة ، وكل جريمة لها وزنها من حيث تعقيد إحداثياتها وفك طلاسمها.لا تأتي الجريمة من فراغ .هناك من دوافع ومسببات لها ، منها ماهو شخصي وماهو محلي مجتمعي وغيرها ماهو إقليمي ودولي .تتعدد الأسباب والمحصلة النهائية واحدة .إنتشرت الجرائم بسبب الحروبات الأهلية والنزاعات داخل الدولة الواحدة وإمتدت لدول الجوار .لكنها في مجملها خلقت عدم إستقرار تسبب في نزوح ولجوء كثيرمن الأفراد والجماعات مما أدي الي خلق مشاكل إقتصادية ،إجتماعية وصحية وغيرها إعتبرها البعض أحد الأسباب الرئيسية لإنتشار الجريمة في المدن الكبيرة والتي أصبحت مجددآ أمنيآ متكررآ ومتجددآ كل يوم.
السودان ليس بمعزل عن محيطه الإقليمي حيث عاني من كل ماذكر أعلاه من حروب أهلية ،صراعات داخلية أدت لموجات نزوح ولجوء تشاركتها موجات الجفاف والتصحر التي ضربت البلاد في ثمانينات القرن الماضي.يعيش السودان فترة حكومة إنتقالية عقب ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨ والتي إعتبرها البعض الملاذ الآمن بعد سقوط نظام البشير الذي حكم البلاد لثلاثة عقود من الزمان .
طبيعي أن تحدث متغيرات إقتصادية وإجتماعية ،ثقافية تصاحب تغيير الحكومات والأنظمة الحاكمة .ولكن زيادة معدلات الجريمة وإنتشار السلاح في إيدي المواطن رغم حملات جمع السلاح الطوعية والقسرية الا أن مؤشر إنتشار الجريمة في إزدياد والوضع أصبح مقلقآ للجميع أطراف النهار وآناء الليل داخل المنازل وفي الشوارع والأسواق ولم تسلم حتي المجمعات التجارية من ظواهر النهب والسرقات .الوجود المسلح بالمدن يدق ناقوس الخطر .يجعل الكل في حالة حذر وخوف وعدم طمأنينة .إنتشار السلاح يعني أن هناك جهات تعمل علي زعزعة الأمن والإستقرار.ويعني أن هناك مستفيدين من إنتشاره بإيدي المواطن .لا تندهش وترفع حاجب الدهشة حين تسمع مواطنآ يمتلك أكثر من قطعة سلاح بحجة أنه وجدها رخيصة بإستطاعته أن يمتلك أكثر من قطعتين .إذن السلاح موجود ويباع كغيره من السلع وضروريات الحياة . والدليل علي ذلك صوت طلقات السلاح الناري في الأفراح تحت مرأي ومسمع الجميع والتي تحولت فيها الأفراح الي المآتم. .
نحن مع تفريغ العاصمة والمدن الكبيرة من السلاح ولكن معالجة جذور الأزمة وحل القضية من أسباب نجاح حملات جمع السلاح. بالأمس أمنت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع علي إفراغ العاصمة والمدن الكبيرة من مظاهر الوجود المسلح، نحترم قرار اللجنة ولكن هذا يعني تفريغ هذه المدن من ساكنيها ،حيث أنك تجد في المواصلات العامة نهارآ جهارآ من يخفئ قطعة سلاح ناري أو سلاح أبيض تحت ملابسه ويتعمد أن يظهرها بين الفينة والأخري في تحدي سافر لراكبي المركبة .لا أدري معني أن يحمل مواطنآ هكذا أسلحة في ظل دولة لها أجهزتها الشرطية والأمنية والعسكرية والعدلية التي تقتص لمن ظلم وأخذ حقه منه عنوة .لا أدري مابداخل حقائب السيدات والفتيات رغم أني واحده منهن .قد يحمل البعض منهن سلاحآ بغرض الحماية الشخصية ،طالما هناك تفلتات أمنية وحالات خطف ونهب لحقائبهن في الشارع العام والأسواق المكتظة رغم تحذيرات وزارة الصحة بالتباعد الإجتماعي ولبس الكمامات.
هي دعوة نطلقها لقادة الشرطة بكل مقامتهم السامية ودرجاتهم الرفيعة في أن يبذلوا مزيد من الجهود لحماية المواطن ،ولا ندع المواطن يأخذ حقه بسلاحه أقصد بيده .هناك قانون علينا إحترامه .دعونا نرفع لهم القبعات عالية حتي يلعب رجال الشرطة دورهم بأكمل وجه .
لابد من حملات توعوية حول مخاطر إنتشار السلاح بأيدي المواطن حتي لاتزيد جرائم القتل وزهق الارواح .لابد من ردم الهوة بين الإعلام والأجهزة الرسمية بالدولة .لابد أن يكون الإعلام شريكآ أصيلآ مع الدولة يسلط الضوء يوضح الحقائق يكشف عن مكامن الخلل حتي يتم تصويبه. لابد من خلق وعي مجتمعي بخطورة حمل السلاح والتهاون في الترخيص له الا عند الضرورة القصوي.لابد أن يلعب الإعلام دورآ فعلآ وأن يكشف عن المستور في قضية إنتشار السلاح بالصورة المزعجة للمواطن المغلوب علي أمره .دعونا نعمل جميعآ من أجل خلق مجتمع آمن مستقر يطمح في أن ينفتح علي المجتمع الدولي بعد إعفاء ديونه الخارجية وحالة العزلة التي عاشها السودان لسنوات طوال.