اعمدة الرأى | رؤى نيــوز
إلى متى نظل ومعنا الكثير من الحادبين على المصلحة العامة بمعناها (الجوهري) وليس الشكلي نُلفت أنظار نافذي الحُكم الإنتقالي إلى ما نسميه (البديهيات) في تناول ومعالجة موضوع التنمية المُستدامة وبناء دولة المؤسسات ؟ ،
فقد بُح صوتنا منذ بداية تولي الحكومة الإنتقالية وتمكُّن الشِق المدني من موقع إصدار القرار فيها (رغم العثرات والمصدات) التي لا يجرؤ على نُكرانها أحد ،
أن فكرة التنمية والبناء لا يمكن النظر إليها ولا معالجتها دون إصطحاب سُبل (حماية) الإنسان السوداني من الثلاثي الفتَّاك (الفقر والجوع والمرض) ، وحين نُفسِّر هذه الحماية لا يفوتنا أن نُشير إلى أن المقصود بذلك توفير (الحد الأدنى) من هذه الضروريات والتي لا تفيد بالنسبة لي أكثر من مساندة المواطن على مُجرَّد الصمود للبقاء حيَّاً ، ليس لأجل ذاته ولا أسرته ولا رهطهُ المُقربَّين ، ولكن لأجل المساهمة في البناء والتنمية الوطنية.
عندما تُبقي الحكومة على دعم (نسبي) لدقيق الخُبز وتوازن ما بين (مساندة المواطن) و(رفع العبء عن كاهل الدولة) ، فإن في ذلك مؤشرات لإهتمامها بالإنسان عبر إتاحتها لهُ فُرصة ً ولو كانت (هزيلة) للمقاومة من أجل البقاء ،
فما الذي يجعل الدواء والعلاج في نظر الحكومة أقل أهميةً من دقيق الخبز ، حين تمتنع (كُلياً) عن دعم الدولار الدوائي وتترك أمرهُ لأسواق الجشع التجاري في بلادٍ تفتقد أبسط مقوِّمات أنظمة الرقابة على الأسعار ،
حيث كالعادة أصبح المواطن السوداني منذ أمس الأول على زيادة فلكية في أسعار الأدوية تجاوزت في حدها الأدني الـ 140 % ، كما بلغ حدها الأقصى في بعض الأصناف أكثر من 300 % ، بالقدر الذي يجعلني أؤكِّد أن نصف الشعب السوداني سوف لن يرتاد الصيدليات بعد أن تجاوز أمر تكلفة الدواء حد الغلاء ووصل إلى مصاف الإستحالة ،
والغريب في الأمر أن إتحاد عام صيدليات السودان يُبرِّر عبر تصريحات نافذيه أن هذه الزيادة تستهدف ما أطلقوا عليه (الوفرة) ،
صحيح أن شر البلية ما يُضحك إذ كيف يستفيد (المُعدم) من وفرة الدواء في الأرفُف وهو غير قادر على الحصول عليه ، إلا إذا كانوا يعتبرون أن مُجرَّد (إكتحال) عين المرضى بمنظر الأدوية من بعيد سيوفِّر لهم الشفاء وربما بعضاً من الراحة النفسية.
لسنا في حاجة إلى أن نقول أن هذه الأسعار الجديدة التي طالت كل أصناف الأدوية بما فيها المُنقذة الحياة ، ستكون بداية لتكريس (نخبوية) التداوي في السودان ، وهي في ذات الوقت طعنة غائرة تُسدِّدها الحكومة الإنتقالية في خاصرة الإنسان السوداني المغلوب على أمره ، وهي أيضاً معوَّل هدمٍ فعَّال لتحديات البناء والتنمية التي طالما تشدَّق بها المسئولين في المنابر المهرجانية ،
إذ كيف تُدار مشاريع التنمية وتدور عجلة الإنتاج في شتى المجالات والركيزة الأساسية لتحريكها المُتمثِّلة في الإنسان (خارج تغطية إهتمامات الحكومة).
صحيفة الديمقراطي