الخبير الاقتصادي: عبد الله على عمر يكتب.. قراءة في ميزانية العام ٢٠٢٠ وموازنة العام ٢٠٢١ ..!
هذه قراءة مبسطة في ميزانية العام ٢٠٢٠ والتي انتهت يوم ٣١ ديسمبر الجاري ٢٠٢٠ وسوف نستعرض أداء هذه الميزانية حسب ما جاء في تقرير وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الذى بموجبه تم تقديم مقترحات العام الجديد لموازنة ٢٠٢١ وهذا ما جرت عليه العادة في تقديم الموازنات الجديدة.
لقد جاء الأداء مخيبا للآمال في مكونات الميزانية في إطارها الكلي ولذلك سوف نستعرض المكونات الآتية :
أ. الناتج المحلي الإجمالي .
ب. الميزانية العامة.
ج. الميزان الخارجي.
د. سعر الصرف.
ه. التضخم
و. الحساب الجاري الخارجي .
ذ. انعكاسات كل ذلك على مجمل الأوضاع الاقتصادية المتمثلة في الاستثمار والتجارة وقطاع الصادر والقطاع المصرفي.
أ. نأتي لأداء الناتج المحلي الإجمالي لميزانية العام ٢٠٢٠ حيث كان المتوقع ان يكون معدل النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي هو ٢.٩٪ والجدير بالذكر أن حجم الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام ٢٠١٩ هو مبلغ ١.٤٧١ مليار جنيه سوداني وبالتالي يتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام ٢٠٢٠ مبلغ ٢.٠٧٩ مليار جنيه سوداني، ولكن حسب تقرير الوزارة فإن النتائج جاءت بنسبة نمو سالب للناتج المحلي الإجمالي وقدرها ٤.٨٪ لعدة أسباب أهمها جائحة كورونا وأسباب أخرى.
وبالتالي يصبح الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام ٢٠٢٠ هو مبلغ ١.٣٧١
مليار جنيه سوداني ولكن الغريب وعلى الرغم من أن هذه الأرقام جاءت في تقرير الوزارة الا انها جاءت برقم لا ندري كيف تحصلت عليه وهو أن حجم الناتج المحلي الإجمالي قد بلغ . 3744 وهذاَ يعني أن معدل النمو قد بلغ ١٥٥٪ وهذه هي المغالطات غير المفهومة.
الاحتمال الوحيد هو أن تكون الموازنة معدة اصلا بالدولار وتم احتساب الدولار بسعر السوق الموازي وهذا غير وارد بالطبع لأن الموازنة معدة بالعملة الوطنية، فعلى الوزارة أن تشرح لنا كيف تمت العملية الحسابية العجيبة اما الانعكاس السالب للناتج المحلي الإجمالي هذا فهو يؤدى إلى التدهور في الميزانية الجارية وميزان المدفوعات ويؤدي إلى تدهور سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم وتراجع الاستثمار والتجارة وانخفاض الإيرادات الضريبية.
ب. الميزانية العامة :
اما أداء الميزانية العامة فقد كان كالآتي :
الإيرادات المتوقعة ٥٦٨ مليار جنيه اما الإيرادات الحقيقية التي تم تحصيلها في ٢٠٢٠ فهي ٢٦٤ مليار جنيه بنسبة أداء ٤٦٪ اما المصروفات فقد جاءت بمبلغ ٤٤٨ مليار جنيه والعجز في الميزانية العامة بلغ ١٨٤ مليار جنيه تمت معالجته بطباعة العملة أو ما يعرف بـالاستدانة من النظام المصرفي، هذا العجز الكبير هو السبب الأول في ارتفاع معدلات التضخم اما السبب الثاني فهو تدهور سعر الصرف للعملة الوطنية (الجنيه) أمام العملات الأخرى وبالطبع معلوم الأثر الضار جدا للتضخم على أسعار السلع للمستهلك.
ج. الميزان الخارجي :
لقد جاءت نتائج أداء الميزان التجاري بعجز كبير جدا حيث بلغت الصادرات ٣.٨مليار دولار أمريكي في حين بلغت الواردات ١١.٥ مليار دولار بعجز قدره ٧.٧ مليار دولار أمريكي وهو أكبر من جملة قيمة العملة الوطنية لأننا نحتاج إلى ٧.٧ مليار دولار لا توفرها صادراتنا وإنما توفرها من السوق الموازي….. اما ميزان المدفوعات الكلي اي بإضافة العناصر الأخرى في الميزان (غير المنظورة) يظل هنالك عجز قدره ٢٦٢ مليار دولار بالسالب اما الحساب الجاري الخارجي فقد بلغ العجز فيه ٨ مليار دولار أمريكي وهذه هي الصورة الحقيقية للميزان الخارجي..
اما الاستثمار الكلي فقد جاء الأداء فيه بنسبة سالبة بلغت ١.٥٪،..
إن تدهور سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الحرة يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الواردات بالصورة التي نشهدها الان ولا تحتاج إلى دليل لأن القاصي والداني أصبح يفهم ذلك.
د. سعر الصرف :
سعر الصرف هو انعكاس طبيعي للوضع الاقتصادي لدى بلد يعاني من ضعف في الناتج المحلي الإجمالي وعجز في الميزانية العامة وعجز في الميزان التجاري الخارجي ولقد جاء في ميزانية العام ٢٠٢٠ انه كان من المتوقع أن يكون سعر الصرف التاشيري ٥٥ جنيه مقابل الدولار ولكن الواقع الماثل يؤكد المفارقة الشاسعة والتدهور المريع لسعر العملة الوطنية حيث تخطي سعر الصرف حاجز ٣٠٠ جنيه بنهاية العام ٢٠٢٠
ه. التضخم :
التضخم كما يعرفه الاقتصاديون هو الارتفاع في معدل الأسعار وأهم أسبابه عجز الموازنة وزيادة الاستدانة من الجهاز المصرفي وكذلك تدهور سعر الصرف وأحيانا التضخم المستورد من الخارج ولكن ما يحدث في السودان هو زيادة عرض النقود بسبب عجز الميزانية وتدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع تكلفة السلع والطاقة.
لقد انعكست كل هذه المؤشرات السالبة على مجمل الأوضاع في البلاد وكما يعرف الاقتصاديون التدهور الاقتصادي بأنه ارتفاع معدلات التضخم وتدهور سعر صرف العملة الوطنية وهذا هو ما يعاني منه الاقتصاد السوداني الان.
ان الأوضاع الماثلة الان انعكست كلها على مشروع موازنة العام ٢٠٢١ التي اجيزت مؤخرا، وباستعراض المؤشرات الكلية لها تكتشف انها سوف تأتي بنتائج أسوأ من ميزانية العام الماضي ٢٠٢٠ كما سوف نرى :
قرأءة في موازنة العام ٢٠٢١ :
لقد اجيزت موازنة العام ٢٠٢١ في سرية تامة ولم يتم الإفصاح عن الأرقام الحقيقية فيها ولم تتم نقاشات مفتوحة عنها في وسائل الإعلام حتى يتم سماع آراء علماء الاقتصاد والخبراء ورجال الأعمال فيها وعليه نورد القراءة التالية عنها.
١. معدل نمو الناتج المحلي :
على الرغم من أن ما جاء في تقرير أداء الميزانية للعام الماضي ٢٠٢٠ حول نسبة النمو السالب ٤.٨٪ في الناتج المحلي الإجمالي والأرقام الجزافية التي أثبتت باعتبارها تمثل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية وهو لا محالة مغالطة مكشوفة لا يستطع كائن من كان الدفاع عنها إلا أن الأمر يبدو أنه صار ديدنا لوزارة المالية فى تلفيق الأرقام بصورة يستطيع أي تلميذ في السنة الثالثة مرحلة الأساس أن يعترض عليها، ولا ندري ما هو هذا الأسلوب الجديد في حساب الناتج المحلي الإجمالي وذلك للاتي حيث جاء في المشروع الاتي :
الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام ٢٠٢٠ هو ٣.٧٤٤ مليار جنيه نسبة النمو المتوقع ١٪ أي ٣٧٤مليار جنيه وان معدل النمو ١٪ فكيف *يصبح الناتج المحلي المتوقع هو ٥.٩٥٨ مليار جنيه؟؟!! هذه عملية حسابية بسيطة.
٢. الموازنة العامة :
جاء مشروع الموازنة الجديدة مجافيا للواقع في عدة بنود لعل أهمها جملة الإيرادات وعلى الرغم من أن إجمالي الإيرادات للعام ٢٠٢٠ بلغت ٢٦٤ مليار جنيه الا ان وزارة المالية تتوقع إيرادات تبلغ ٩٣٨ مليار جنيه يعني سيكون نمو الإيرادات بنسبة ٢٥٥٪ وهذا أمر غريب،!!!!
*كيف* تنمو الإيرادات في ظل انكماش اقتصادي عام وتدهور سعر الصرف وارتفاع التضخم فعلى الرغم من زيادة ضريبة ارباح الأعمال راسيا بنسبة ١٠٠٪ وزيادة ضريبة القيمة المضافة على الاتصالات وعلى السكر الا ان أرقام الموازنة نفسها تكذب ذلك عندما تتوقع نموا سالبا في قطاع الصناعة بنسبة ٥.٥٪ ونمو في القطاع الزراعي بنسبة ١.٥٪ هذا انكماش في القطاع الإنتاجي وأما مايسمى بالقطاع الحقيقي وهو المورد الأساسي للضرائب.
من الواضح جدا وبناءا على نتائج ميزانية العام ٢٠٢٠ فإن نمو الإيرادات يتناسب طرديا مع نمو الاقتصاد وعليه الانكماش الذي حدث في العام ٢٠٢٠ في الاقتصاد هو الذي أدى إلى انخفاض الإيرادات بالمستوى الذي جاء في تقرير الأداء لذلك لا يمكن أن ينمو الاقتصاد بنسبة ١٪ وتنمو الإيرادات بنسبة ٢٥٥٪.*
٣. الميزان الخارجي :
اما الميزان الخارجي فمن المتوقع أن تكون الصادرات في حدود مبلغ ٣.٨ مليار دولار أمريكي وهذا غير واقعي مقارنة بما حدث ف ٢٠٢٠ بمعنى أن العجز سيكون أكبر من ٤.٤ مليار دولار أمريكي وهو أكثر من قيمة الصادرات وهذا يعني زيادة الطلب على النقد الأجنبي في السوق الموازي وبالتالي تدهور في قيمة العملة الوطنية أمام العملات الحرة إلى مدى لا يعرفه أحد مما يؤدي لمزيد من التدهور الاقتصادي في البلاد.
أن ضعف الناتج المحلي الإجمالي سوف يؤدي إلى الاتي باعتباره انكماشا كليا في الاقتصاد :
١. ضعف في إنتاج السلع.
٢. انخفاض في الإيرادات الضريبية.
٣. عجز متزايد في الموازنة العامة الجارية تؤدي إلى التضخم.
٤. عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات الكلي يؤدي إلى تدهور العملة.
٥. زيادة في الطلب على النقد الأجنبي يؤدي إلى تدهور في العملة الوطنية مقابل العملات الحرة.
٦. عجز الموازنة سوف يقود إلى مزيد من الاستدانة التي تؤدي إلى زيادة عرض النقود الذي بدوره يؤدي إلى التضخم.
٧. تراجع الاستثمار في البلاد.
٨. تأكل رؤوس اموال المصارف والشركات المالية.
٩. زيادة في تعثر القطاع التجاري تجاه الجهاز المصرفي.
١٠. زيادة في التهرب الضريبي بسبب تأكل رؤوس الأموال وارتفاع تكلفة الطاقة وباقي التكاليف مثل النقل والعمالة وغيرها كلها تقود إلى تراجع العملية الإنتاجية.
١١. الموازنة الجديدة تتوقع أن يكون التضخم ٩٥٪ وهذا مستحيل في ظل الأوضاع المذكورة أعلاه. لا سيما أن مشروع الموازنة اعترف باستمرار عجز الموازنة الخارجية وضعف النمو.
هذه الموازنة بالمعطيات أعلاه تفتقر إلى التناسق الداخلي بين هذه المؤشرات فمثلا ضعف معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي مقرونا بعجز كبير في الموازنة يقود إلى زيادة حجم الاستدانة وبالتالي زيادة عرض النقود الذي يقود الى التضخم الذي يؤثر على ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين سيزداد ن فقرا ومسغبةويقلل كذلك من تنافسية الصادرات والعجز المتوقع في الميزان التجاري مع انكماش الاستثمار الأجنبي المباشر يؤدي إلى تدهور سعر الصرف الذي يغذي بدوره التضخم وهكذا مع العلم بأن الإنفاق التنموي ضعيف للغاية ومعظمه عبارة عن مصروفات تسيير لبعض المؤسسات والمشروعات وليس تنفيذ برامج تنموية.
وأيضا هذه الموازنة ليس بها أهداف كمية يمكن قياس الأداء عليها مثل سابقتها ميزانية ٢٠٢٠.
حتى الآن لا أحد يدري ما تم إنجازه من أهداف كمية سواءً كان في الإنتاج السلعي ام البنيات التحتية أو في قطاع الخدمات وكذلك في مشروع الموازنة الجديدة ليس هنالك أهداف كمية في إنتاج سلع مثل الذرة، القطن، الفول السوداني، السمسم، الصمغ العربي، الثروة الحيوانية، أو الطرق والكباري والمطارات وغيرها.
هذا فضلا عن تطور في مرافق هثل السكة الحديد، الطيران المدني، الموانئ البحرية وغيرها وبالتالى ليس هنالك امال متوقعة.
َ





