كل لحظة تمر على الوطن وهو مثخن بجراحاته التي غرسها اليساريون ثم غذوها فأثمرت لؤمًا وشتاتًا وصلفًا وعنجهية و فشلًا يكاد يحيط بالوطن و يطبق عليه فيحيله هشيمًا تذروه الرياح و ما هو من هذه المرحلة ببعيد يتأكد للناس صدق ما كنا نقول و نردد في الأيام الأولى من ابتدارهم حكم السودان بقيادة الشيوعي ضعيف الشخصية والقدرات عبدالله آدم حمدوك بخطورة تأسيس خطاب الكراهية لأنه إن تجذر في النفوس لن يسلم منه أحد و ستكون عاقبته خسرانًا مبينًا و إن أية لغة من شاكلة (أي كوز ندوسه دوس) ستتحول لثقافة مشاعة ومنهجًا للحياة.
و لأن اليساريين لم يستبينوا النصح ولن يستبينوه لما جبلوا عليه من نفوس لا تعرف الإشراق والتسامح والصفح الجميل اعتقدوا أن دعوتنا تلك قد صدرت نتيجة الهلع والخوف على الحركة الإسلامية تلك الحركة التي دفعت بعقل لايعرف الوجل ولا الذل ولا الخنوع إلا لله رب العالمين بعد أن دلت تجربتها العملية على أن شبابها قد وردوا موارد المنية،و استقبلوا الموت بقلوب صابرة محتسبة وهم يواجهون العدو دفاعًا عن حياض أمتهم وأمنها وتراب وطنهم مسجلين سفرًا من تضحية وبسالة و شجاعة عجزت الأقلام أن تصفها والعقول من أن تستوعبها ومضوا شهداء حق ودين و واجب.
نعم لم ننطلق من خوف ولا من ضعف ولا جبن ولا خور إنما من شيء وقر في صدورنا بأن لحمة السودان وتماسك نسيجه الاجتماعي وتركيبته لا تحتمل أي من نوازع الشر والاحتراب من تأجيج للعصبية والجهوية و إذكاء نار القبلية الحارقة التي ستقضي على أخضر ويابس تماسك واقعنا المعيش المعقد، و لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه و أن الحقيقة ستطغى على كل خديعة وكذب ونفاق ظلوا يمارسونه فقد وصلت بنا الأوضاع إلى ذات ما كنا نخشاه و نخافه ونتجنب وقوعه ففي اليومين الماضيين بدأت أصوات على قلتها وضعف حجتها تدعو إلى إذكاء نار العصبية والجهوية و إيقاظ الفتنة النائمة ناسين أن هذا الشعب أكبر من أن يستمع إلى زيف دعواتهم و أصواتهم المشروخة وبئس ما ينطقون،فتاريخنا يقول بأن كل ولايات البلاد عاشت بعض قبائلها مع بعض جمعتهم أرض واحدة وقبلة واحدة وهم واحد ونيل واحد وزرع واحد، كل قبائل السودان امتزجت و تصاهرت و جمعت بينهم التجارة و ربطت أواصر الصداقة و حبال المودة بعضهم ببعض دونما عصبية.
شجعوا الهلال والمريخ و استمعوا إلى وردي وعبدالقادر سالم والأمين عبدالغفار محمد البدري أدروب وصفقوا لأشعار محمد المكي إبراهيم و إسحق الحلنقي وصلاح أحمد إبراهيم وخليل فرح ورقصوا على إيقاع الدوليب و التمتم والجراري والكمبلا و تمايلوا مع مديح الحاج الماحي و ودحليب والبرعي والشريف الهندي وود الحاج مصطفى و خشعت نفوسهم للقرآن مرتلًا بصوت الشيخ صديق أحمد حمدون والشيخ أحمد محمد طاهر والشيخ الزين والشيخ صالح والشيخ نورين و هتفوا للصادق المهدي وتبركوا بمولانا محمد عثمان الميرغني و قلدوا الترابي وأعجبوا بعلي الحاج وتمنوا محمد طاهر إيلا واليًا على ولاياتهم وافتتنوا بمولانا أحمد هارون و الآن ارتاحوا لتصريحات وتحركات جبريل إبراهيم ومالك عقار و مني أركو مناوي واستبشروا بها خيرا كما استبشروا من قبل وساندوا الفريق الأول شمس الدين الكباشي إذن أهل السودان يكرهون لغة العنصرية ويرفضون مجرد النطق بها.
ولأن الإعلام ظل يؤدي دوره الكبير و يعد صمام الأمان لوحدتنا وتماسك نسيجنا الاجتماعي رأيت أن نذكرهم بضرورة التنبيه إلى خطورة أن ينساق الناس وراء دعوات العصبية لأن معظم النار من مستصغر الشرر فدورهم يكتمل حين يشكلون حائط صد ضد كل دعوة عصبية هي منتنة و نتنة فدعوها ولنعش كلنا قبائل متعارفة مجتمعة الكلمة مثلما كنا ليس هناك من فروق حقيقية تميزنا سوى التقوى و العطاء والتفوق الأكاديمي و التميز المهني أما ما دون ذلك سيغدو هباء منثورًا.





