تحديات على ذاكرة الوطن(61)
بقلم:✍️عبدالعزيز ضاوي
لنقلها بلا قفازات لغوية، وبلا نفاق دبلوماسي: ما يُروَّج له باسم “الوساطة المصرية” في الشأن السوداني ليس إلا مهزلة سياسية مكتملة الأركان. فمصر لا تأتي إلى السودان بحثًا عن حل، بل حاملةً مشروع وصاية قديمًا متجددًا، يرى في السودان ساحة نفوذ لا دولة ذات سيادة.
إن تقديم مصر كطرف “ضامن” هو إهانة صريحة للعقل السوداني قبل أن يكون اعتداءً على سيادته. فالدولة التي تحتل أراضي سودانية بالقوة، وتتهرب من أي مسار قانوني عادل في ملف حلايب وشلاتين، لا يمكن أن تكون وسيطًا، بل خصمًا سياسيًا واضحًا لا يحتاج إلى تعريف.
كيف تُمنح الثقة لدولة تلوّح بالتدخل، وتمارس الضغط، وتتعامل مع السودان بعقلية الوصيّ لا بعقلية الشريك؟
كيف يُطلب من شعبٍ يناضل من أجل كرامته أن يقبل بدور “الأخ الأكبر” المفروض قسرًا؟
وكيف يُراد للسودان أن يصدق خطاب “الحرص” بينما تُدار السياسات بعقلية الهيمنة؟
التدخل المصري لم يعد مجرد تسريبات أو إشارات، بل سلوك ممنهج ومكشوف: تصريحات متعالية، تحركات سياسية مريبة، رسائل ضغط، ومحاولات فجة لتوجيه مسار الأزمة بما يضمن مصالح القاهرة في المياه، والأمن، والنفوذ. هذا ليس دعمًا للاستقرار، بل سعي محموم للسيطرة على القرار السوداني.
تنظر مصر إلى السودان بوصفه امتدادًا يجب ضبطه، لا وطنًا مستقلًا. تنظر إليه كملف أمني، لا كشعب صاحب إرادة. ومن هنا، فإن وجودها في أي رباعية ليس سوى فرض واقع سياسي بالقوة الناعمة، وشرعنة لوصاية مرفوضة.
ولا يتوقف العبث عند مصر وحدها، فكل دولة تشترك مع السودان في الحدود هي دولة ذات مصلحة مباشرة، ترى في أزمته فرصة، وفي ثرواته غنيمة، وفي تاريخه مادة قابلة للتوظيف. إشراك هذه الدول في أي رباعية هو تحويل مأساة السودان إلى صفقة إقليمية قذرة.
فلنحسم الأمر بلا تردد:
أي حل تكون مصر طرفًا فيه هو حل ساقط سياسيًا وأخلاقيًا.
وأي رباعية تضم دول الجوار هي رباعية بلا شرعية ولا احترام.
السودان ليس تابعًا،
ولا دولة قاصرة،
ولا ورقة تفاوض في أيدي الطامعين.
السيادة السودانية ليست منحة،
وأرض السودان ليست سلعة،
وتاريخ الشعب السوداني أقوى من كل مشاريع الوصاية مهما تلونت أسماؤها.





