البرهان نقض ترحيبه بالسلام بعد أن علم بنية أمريكا الحرب ضد الكيزان، ولو أن الجنرال يقبل بالسلام شريطة إبعاد الإمارات، فما يجعله يفاوض الدعم السريع يجب أن يجعله يقبل بها!
أطياف – صباح محمد الحسن
طيف أول:
المركب المثقوب على وشك الغرق!!
وظن الفريق عبد الفتاح البرهان أن محمد بن سلمان ذهب شفيعًا له ولحكومته الكيزانية، ليهبهم ملكًا جديدًا لا يفنى. الاعتقاد الذي جعله يتوهم أن الزمن سيعود به ليمارس خدعته للمرة الثانية على المجتمع الدولي والشعب السوداني، ليظهر بزي المصلح من جديد ويخبئ الإخوان المسلمين خلف الواجهة العسكرية. فالبرهان رحّب بالخطوات السعودية الأمريكية عندما علم أن التنظيم ليس لديه مانع من الخطوة.
ولكن بعد أن كشف مسعد بولس أن لا مستقبل للإخوان المسلمين، خرج البرهان ليتعلل بأن الورقة التي قدمتها الرباعية عبر مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، تعتبر أسوأ ورقة يتم تقديمها، باعتبار أنها تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها.
وهنا يمارس البرهان الكذب صراحة؛ فالرباعية لا تلغي وجود القوات المسلحة، ولكنها قد تلغي وجود البرهان، إذ نص الاتفاق على عدم قبوله بقيادة طرفي الصراع في المرحلة القادمة “حميدتي والبرهان”، قيادات ينتهي طريقها بعد توقف الحرب مباشرة. لذلك فإن ممارسة الخديعة على الشعب السوداني واستعطافه بمثل هذه الحيل القديمة الماكرة هي لعبة البرهان المكشوفة.
كما أن عزلة البرهان وتنظيمه يترجمها وقوعهم في “كمين” سياسي نصبه لهم الاتفاق الأمريكي السعودي؛ فالقائد الحقيقي يجب أن يكون على علم بما سيحدث وما هو قادم، لا بعد حدوثه. فالكيزان والجنرال أثبتوا أنهم يعيشون في مدينة معزولة نائية عن مطابخ القرار الدولية، وأن علاقاتهم الدبلوماسية والسياسية صفرية.أما حديث البرهان عن عدم قبوله لبقاء الدعم السريع في مناطقها فيجافي المنطق؛ فالدعم السريع إن لم تبق في دارفور بالرباعية وبخطة السلام، فستبقى بخطة الحرب وقوة البندقية، أليست هي التي انتزعت إقليم دارفور بالقوة وضربت خيام حكومتها في نيالا؟ فالبرهان عندما أبرم اتفاق انسحاب قوات الدعم السريع من ولايتي الخرطوم والجزيرة كان مقابل أن تذهب إلى مناطقها، وهو مهندس خطة استيلاء الدعم السريع على الفاشر التي عززها مؤخرًا بانسحابه من هناك.
وقد تحدث وزير الخارجية السابق عندما سئل عن أسباب انسحاب الدعم السريع، فقال إن المؤسسة العسكرية رأت أنه يجب أن تنسحب القوات المتمردة إلى مناطقها وحواضنها الاجتماعية ويقصد دارفور، وهو التصريح الذي تسبب في إقالته.
والآن البرهان يريدها أن تنسحب من مناطقها، والسؤال: (تمشي وين)؟!
فما يطلبه البرهان من بولس بضرورة تسليم الفاشر عجز عن تحقيقه بالسلاح!
واستنكر البرهان حديث بولس أن الحكومة تعيق وصول القوافل الإنسانية وقامت باستخدام أسلحة كيميائية. وهنا يكشف البرهان بعظمة لسانه أنه مدان دوليًا باستخدام السلاح الكيماوي، وهو ما يؤكد أن أمريكا قضيتها معه وليس مع القوات المسلحة.
ولا أدري لماذا يعتقد البرهان أنه الجيش إن ذهب ذهبت المؤسسة؛ فالقوات المسلحة بها شخصيات عسكرية تستطيع أن تقود الجيش، الذي تكون مهمته الدفاع عن الوطن والأرض والشعب وليس له مطامع سياسية، ولا يسخر كل إمكانياته للتنظيم بدلا ًعن الوطن.
وهل وجود الحكومة المدنية سيلغي وحود المؤسسة العسكرية؟ أم أن كل الدول التي تُحكم مدنيًا ليس بها جيوش عظيمة؟!
فالبرهان يسوّق لبقائه في الحكم تسويقًا مغشوشًا، وهنا يجب أن يدرك الشعب السوداني أن الجنرال يقايض بقاءه في السلطة بضياع البلاد ودمارها، وهذا الأمر تحديدًا هذه المرة غير مسموح.
فالرباعية خطتها تنص على بقاء المؤسسة العسكرية وبناء جيش وطني واحد تدمج فيه كل الجيوش بقيادة شخصية عسكرية من المؤسسة العسكرية وليس من الدعم السريع. لذلك فإن كل من يتحدث عن إلغاء المؤسسة العسكرية فهو كاذب.
والرجل يقول: إنه ما كان يدرك أن الرباعية ستبقي الإمارات وستكون جزءًا من السلام، وهنا ينطق بلسانه الكيزاني المبين؛ فطالما أن المؤسسة العسكرية ستقبل التفاوض مع الدعم السريع نفسه، فما الذي يمنعها من قبول الإمارات؟! أم لأن الإمارات جزء من خطة دولية في مشروع القضاء على التنظيم الإخواني!!
ويهزأ البرهان بقوله: “إن لا أحد يفرض علينا (حميدتي وحمدوك)”، في رسالة خبيثة، عنى البرهان أن يقول فيها: يجب ألا تقبلوا بالحكم المدني القادم. ولأنه عاجز ضعيف عن نعت الحكومة المدنية وشخصية حمدوك، جعله مضافًا لحميدتي الذي قتلت قواته وشردت، وهو خطاب يعني أن يد الجنرال “ترتجف”، وأن حمدوك استطاع هزيمتهم سياسيًا.
فالبرهان اليوم يفتقد السند الشعبي والعسكري والدولي، ولا قوة له إلا في قوة التنظيم الواهنة. فصياغة نص يصنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية يعني إلغاء وجودهم فعليًا وضعف نفوذهم، الذي هو إضعاف لسلطة البرهان التي اعتمدت عليهم سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا. لذلك فإن رفض البرهان الآن يدفعه إلى “الكمين الثاني”: المسؤولية التامة عن تهيئة المناخ والأرض لخيار “القوة الثالثة”!
طيف أخير:
كشفت مصادر سودانية لـ”الشرق” عن تأجيل مفاجئ لاجتماعات كانت مقررة في بروكسل بين وفد للحكومة السودانية والاتحاد الأوروبي. فهل يتم تأجيل لقاء الثلاثاء بواشنطن أيضًا بعد تصريحات البرهان، وإن حدث ستكون هذه هي بداية المواجهة المباشرة بين النظام الإخواني والمجتمع الدولي.
الجريدة
✦ وَغَمْضُ العَيْنِ عن شَرٍّ ضَلالٌ وغَضُّ الطَّرْفِ عن جَوْرٍ غَبَاءُ ✦
“نحنا أهل الفرحه جينا لا المدامع وقفتنا ولا الحكايات الحزينة” — القدّال
