✍️ أ.د. محمد الأمين خليل
لم أسمع أحدًا في السودان يتحدث بعد سيطرة قوات الدعم السريع عن تقسيم البلاد كأحد المخاوف الرئيسية، ربما كان هذا الأمر مطروحًا عند تأسيس حكومة في نيالا، ولكن لا أحد الآن يتحدث عن هذا الأمر، ربما يتحدث الناس عن الانتهاكات، ولكن لا أحد يتحدث بعد سقوط المدينة عن التقسيم، حتى داخل الجيش نفسه وحكومته في بورتسودان، لا أحد.
إذ تشير كل الوقائع إلى توافق داخلي سوداني (مدني – عسكري) من نيالا حتى بورتسودان، ووسط كافة السودانيين في أرجاء الأرض، على رفض أي مشروع لتقسيم البلاد.
فإذا كان الداخل السوداني لا يدفع نحو الانقسام، فمن المستفيد من تضخيم هذا الكابوس وتغذيته إعلاميًا وسياسيًا؟
المتابع لهذا الأمر يجد أن هناك شخصًا واحدًا من دولة واحدة في هذا العالم ظل يتحدث دومًا عن التقسيم كلما تحدث عن السودان، هذا الشخص هو بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، الذي ظلت مفردة التقسيم لا تفارق فمه كلما فتحه متحدثًا عن السودان، وكأن الحرب قد أشعلها فصيل انفصالي من أجل حكمٍ ذاتي أو تقرير مصير، ولم يشعلها إسلاميون تدعمهم دولته نفسها من أجل أن يعودوا إلى الحكم مرة أخرى؟
منذ سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر ظلت مفردة التقسيم لا تفارق لسان الرجل، ينطقها في كل تصريح، ويكتبها في كل بيان، متحدثًا عن التقسيم بوصفه شبحًا ماثلًا، فلماذا يا ترى يتحدث الرجل بإصرارٍ دؤوب عن التقسيم، وماذا يخفي نظام بلاده؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة الدور المصري في السودان ليس تاريخيًا، فذلك يحتاج إلى سنوات ضوئية، بل من فترة الثورة وما بعدها.
لعبت مصر دورًا تخريبيًا ومدمرًا ومتآمرًا على إرادة السودانيين، فمصر السيسي هي التي أعدت خطة الانقلاب على حكومة الثورة في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ونظمت الانقلاب من القاهرة ودعمته، ولم يكن عبد الفتاح البرهان ليجرؤ على الانقلاب لولا دعم عبد الفتاح المصري.
كما لم يكن الكيزان ليجرؤوا على العودة مرة أخرى لولا أن مصر قد ضخت الدماء في شرايينهم للعودة إلى الحياة مرة أخرى بعد أن كانوا في مرحلة الموت السريري، بل إن مصر هي التي وضعت خطة الحرب، وشاركت فيها منذ يومها الأول بالقصف الجوي وبالدعم العسكري، وعندما اشتد أوارها فإنها لم تكن عامل تهدئة؛ بل أحد أسباب إطالة أمدها وتعقيدها، ولا تزال!
لا توجد دولة في كل هذا العالم لها مصلحة في تقدم السودان سوى مصر، وقد حدثني قبل أعوام دبلوماسي سعودي كان يعمل ضمن بعثة بلاده في أوتاوا – كندا، إن مصر كانت ترسل الوفود إلى السعودية كلما قدمت مساهمةً تنمويةً للسودان حتى لو كان المشروع حفرَ بئرٍ يشرب منه العطشى الذي يمر النيل ببلادهم ولا يستفيدون منه، وكانوا يقولون: «مفيش مشكلة بس أي حاقة لازم تمر عبر مصر»!!!
ولا توجد دولة في العالم لها مصلحة في السودان الفقير الضعيف لا السودان القوي غير مصر، وهي المستفيدة الآن من حرب السودان وعدم وجود دولة وتنمية، فتسرق وتنهب موارد السودان بجيش البرهان وبعملائها التاريخيين ومعهم الفاسدون من الكيزان، ويكفي أن حصة السودان من مياه النيل البالغة 18.5 مليار متر مكعب ظلت تذهب كاملةً لها منذ بداية الحرب!!
وقد يقول قائل ساذج – وما أكثر السذج في السودان حتى وسط النخب والسياسيين – قد يقول: ولكن مصر عضو في المجموعة الرباعية بجانب أمريكا والسعودية والإمارات الهادفة لوقف الحرب وإيجاد حل لمشكلة السودان، فكيف تكون مع استمرار الحرب؟
ولهذا القائل نقول: إن دخول مصر للرباعية إنما يدخل في إطار خدمة مصالحها باستمرار الحرب، وليس من أجل وقفها. وأما من يقول بأنها متضررة من الحرب فنقول له: أنت إما جاهل أو كاذب.
فمصر تتكسب من الحرب، إلا إذا كان من يقول هذا القول يصدق بأنها فعلاً تستضيف أربعة ملايين سوداني فارين إليها؟ وهو رقمٌ مضللٌ ظلت تردده منذ عقدين من الزمان بقصد الحصول على المساعدات وقد فعلته مع السوريين واليمنيين والليبيين، وهي لا تستطيع إثباته حسابيًا وعمليًا، بل تم دحضه بواسطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ومن يريد أن يعرف كذبة تضرر مصر من حرب السودان، عليه أن يراجع عائد مصر من تحويلات العاملين بالخارج في السنوات الثلاث الأخيرة مقارنة بكل الأعوام الماضية، وأيضاً يراجع صادراتها من الذهب، التي أصبحت فجأةً في صدارة الدول بالمنطقة في تصديره، وهي لا تنتجه!!!
وعودةً لموضوع عضويتها في الرباعية، أحيل من يريد أن يفهم سياسة مصر في هذا الخصوص إلى المذكرات التي صدرت بعد حرب الخليج الأولى والثانية، ومنها مذكرات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، والتي يكشف فيها كيف أن مصر قد ساهمت مساهمةً فعالةً في تدمير العراق عندما كانت تتظاهر باشتراكها في (رباعيات) مماثلة لإنقاذه!
وتكشف المذكرات كيف كان الرئيس المصري حينها «حسني مبارك» يذهب لصدام حسين تحت لافتة حثه على الخروج من الكويت، ولكن لأنه كان يفهم شخصية صدام العنيدة والمتحدية كان يقول له بطريقة مصرية خالصة لها جذور جينية راسخة في «الفهلوة» والاستفزاز والتحريض: إذا لم تخرج سيضربك الأمريكان واليهود ووو… إلخ، لتحريك مشاعر التحدي بداخله وبالتالي عدم خروجه!!
وفي فقرةٍ أخرى يقول بوش في مذكراته: إن حسني مبارك قال للجنرال «تومي فرانكس»؛ إن مصر لديها معلومات استخباراتية مهمة من الداخل العراقي بأن العراق لديه أسلحة بيولوجية خطيرة، وأنه سيقوم باستخدامها ضد أمريكا في وقتٍ أقرب ممكن – وهو ما تأكد كذبه بعد تدمير العراق، واعترف حتى الرئيس الحالي دونالد ترامب بكذبه وخداعه!
الفرق أن مبارك عندما كان يردد هذه الأكاذيب كان يرددها لحث أمريكا على التدخل وضرب العراق وتدميره، بينما عبد العاطي السيسي يردد الأكاذيب من أجل أن يتدخل جيشه نفسه مباشرة لتدمير السودان وتحطيم ما تبقى فيه، وتمكين جيش الكيزان بالجلوس على أطلاله، خصوصًا مع الاهتمام الدولي والحديث عن وقف الحرب وتأسيس حكومة مدنية وطنية قطعًا ستعمل على المحافظة على السودان واستغلال موارده المنهوبة!!!!
إن فرية خطر تقسيم السودان التي يرددها عبد العاطي السيسي وإعلامه كذبةٌ بلقاء، فمصر لم تفتح فمها بكلمةٍ واحدة، عندما حدث الانفصال الحقيقي وذهب ثلث السودان بانفصال الجنوب، وهو ثلثٌ مفترضٌ أنه يهمها أكثر من غيره، بسبب ثرائه المائي وكممرٍّ نيلي مهم وجارٍ لإثيوبيا، فكيف ستتأثر بذهاب ثلثٍ لا ماءَ ولا نيلَ فيه، ولا يحده جيرانٌ لهم خصومةٌ معها؟!!
مصر دولة متآمرة على السودان تاريخيًا، شعارها دوماً: رخاء مصر في شقاء السودان، وهي أخطر على السودان من الإخوان الكيزان، بل إنهم صنيعتها وجاؤوا منها.
احذروا مصر أيها السودانيون، فإن الخطر الذي يتهدد السودان أصله مصري، وهي الآن تجهّز للانقضاض على بلادكم بدواعي تحريرها: ممن؟ وقد وصل فعلاً الفوج الأول من جنودها إلى قاعدة مروي في شمال السودان.
السودان وطنٌ غني ظلمته الجغرافيا والعملاء من أبناء شعبه.





