No Result
View All Result
الإفراط في ابتذال المواضيع الجادة أسهل طريقة لتحويلها إلى مواضيع هزلية، نظرية سهلة اكتشفها مقدمو الكوميديا الارتجالية، ونجحوا بها في استقطاب الجمهور وانتزاع الضحكات منهم، وهم، عندما يفيقون منها، يكتشفون أنهم لم يكونوا يضحكون سوى على مآسيهم!
هذا ما يفعله حاليًا على أرض الواقع “مني أركو مناوي”، أحد أكبر قادة الميليشيات في البلاد، مع الفارق أنه لا يفعله كتكتيك مقصود، بل لأنه جاهل وغبي ومبتذل فطرة!
هكذا خلقه الله، ولله في خلقه شؤون.
قصة شخصية حدثت لي مع مناوي هذا قبل عشر سنوات، لا أزهد في سردها كلما جاءت سيرته، لما فيها من بجاحة وغرابة، وموعظة أيضًا لمن أراد أن يتعظ.
أذكر أنني زرته وقتها في موضوع يخص أحد أعضاء حركته المسلحة، وكان قد فصله منها تعسفًا، فابتدرت حديثي معه قائلًا إنني لا أود التدخل في شؤون حركته وتنظيمه، ولكن لدي اعتراضًا شكليًا على القرار؛ فإن كان لا بد من فصله فليكن بطريقة صحيحة، مثل تشكيل لجنة محاسبة والاستماع إليه، ومن ثم توفير كافة حقوقه في المحاسبة والدفاع عن نفسه، وبعد ذلك فليكن القرار، أقله من أجل الحفاظ على الشكل الديمقراطي.
وكانت علاقتي به وقتها علاقة صحفي معارض بقائد حركة تمرد مسلحة جمعنا الشرق الإفريقي الاستوائي الجميل!
المدهش أن الرجل ردّ بكل برود وأريحية من حيث انتهيت، قائلًا لي: منذ أن عرفتني، هل سبق وقلت لك إنني ديمقراطي أو أن تنظيمي هذا تنظيم ديمقراطي؟ فبهتُ الذي سمع، والذي هو أنا – لغاية الأسف!
منذ ذلك الوقت، كلما التقيت بأحدهم، وكان قائدًا أو عضوًا في أي حركة مسلحة، أصابتني قطيعة نفسية منه، بل وأثبتت التجربة عمليًا – السابقة لحديثي مع الرجل واللاحقة – أن البندقية لن تأتي يومًا بالديمقراطية في السودان، بل تؤسس دومًا لدكتاتورية أشد قمعًا من تلك التي زعمت أنها أطلقت طلقتها الأولى لإزاحتها!
أقول قولي هذا على الإطلاق، فعسكر بلادنا جميعهم خونة، نظاميون كانوا أو متمردين، حتى من أتته منهم السلطة أمانة عنده ليسلمها للشعب، أثبتت الأيام أنه كان خائنًا، عاش كوزًا مستترًا، ومات كوزًا مكتملاً، وأقصد هنا المشير عبد الرحمن سوار الذهب.
لا أعرف ما الذي قاد المقال إلى هذا المنحى، إذ كنت أريد كتابة المقال تعليقًا على مقابلة “مناوي” الخرقاء أمس مع (بي بي سي)، لكني وجدت المقال هو الذي يكتبني، ولم أقاوم.
ولا بأس، وكفى به عارًا حكايته معي عن عدائه للديمقراطية، وانقلابه لاحقًا مع المنقلبين على مسارها!
والأهم أن الرجل أصبح أرجوزًا تافهًا، لا يضحك أحدًا، ولا يغضب أحدًا، غير محفز لا للكتابة ولا لاتخاذ أي موقف ضده .. غير محفز حتى للرغبة في البصق عليه!
لا يثير في النفس شيئًا سوى قرف صامت ثقيل.. جدًا.
No Result
View All Result
error: Content is protected !!