عبد الرحيم مركزو
تعج معسكرات النازحين بمناطق سيطرة الحركة الشعبية – شمال بإقليم جنوب كردفان/ جبال النوبة بأعداد كبيرة من الفارين من جحيم حرب منتصف أبريل 2023، مع التزايد اليومي لأعداد المواطنين، أكثرهم من فئات النساء والأطفال. هذه الحركة اليومية والتدفق البشري المستمر نحو المعسكرات شكّل ضغطا كبيرا على الخدمات من حيث توفير الطعام والشراب والصحة والتعليم وغيرها من مطلوبات البقاء على قيد الحياة. هذا الحال الماثل للعيان بات يشكّل حاجزا يشغل بال المسؤولين في حكومة الإقليم، ويقلق مضاجع منظمات الغوث الإنساني الدولية والوطنية معا. واليد العليا، خير من اليد السفلى. فإنطلاقا من هذه المفاهيم التي تحض على العمل وتشحذ الهمم نحو الإنتاج وعدم الإعتماد على الغير، لهو المخرج والحل الجذري لمعالجة القصور في توفير الخدمات الأساسية والضرورية لكل هؤلاء الفارين من بؤر الحروب والجوع والمسغبة.
عملية تحويل النازحين من متلقين للإعانات الإنسانية ومجتمع إتكالي يتسول الطعام إلى مواطنين مبادرين ومنتجين، يحتاج إلى خطط وبرامج إستراتيجية تتبناها الحكومة والجهات المختصة العاملة في مجال الغوث الإنساني الدولية والوطنية.
*واجبات الحكومة:*
على حكومة الإقليم وضع إستراتيجية قصيرة الأمد تجعل من معسكرات النزوح ساحات للإنتاج الزراعي بكل أنواعه: بستاني، حيواني، تربية النحل، .. وغيرها من وسائل كسب العيش الكريم. هذا يتطلب الجلوس مع أصحاب الشأن ملاك الأرض من المجتمعات المحلية لتفادي النزاع حول ملكية الأرض مستقبلا. على أن تنبني فكرة الإنتاج على نهج التشاور ليأتي الرضى والقبول لإستخدام الأرض ولو مؤقتا وإلى حين، وإلى أجل مسمى. ثم تليها خطوة تخطيط المعسكرات لتمنح كل أسرة مساحة من الأرض كافية لتصبح مزرعة، أو قل جبراكة حسب الفهم المحلي السائد، ومن ثم تخصص مساحات مقدرة لتصبح مزارع يتم تجهيزها في وقت مبكر قبل هطول الأمطار، ثم تأتي من بعدها مرحلة تكوين الجمعيات الزراعية داخل المعسكرات، على أن تضم كل جمعية “٥٠” فردا أو أكثر من ذلك أو أقل حسب المتفق عليه.
*دور المنظمات والجهات ذات الصلة ![]()
على أن تعمل المنظمات الوطنية، منظمات الغوث الإنساني وكالات الأمم المتحدة، والمؤسسات الحكومية على توفير مدخرات الإنتاج من الآليات والتقاوي وكافة وسائل الإنتاج الزراعي مع تدريب المستهدفين على التقنيات الزراعية الحديثة.
فالإستغلال الأمثل للموارد المتاحة لعملية الغوث ينبغي أن توجه نحو الإنتاج وتحفيز المنتجين للإعتماد على النفس، هذا سيقود حتما إلى الخروج من دائرة العوز والفقر والجوع.
والأهم من ذلك كله هو الإستفادة من قيمة ترحيل مواد الإغاثة من دول الجوار من ذرة شامية وزيوت وغيرها، وهي بالطبع ذات تكلفة عالية جدا، وكذلك تحتاج لمصروفات إدارية كبيرة.
*دور المجتمع المحلي:*
على المجتمعات المحلية التي توجد بأراضيها هذه المعسكرات، السعي نحو الإندماج مع النازحين بكل ما تحمله الكلمة من مضامين، فهؤلاء النازحون هم ليسوا وافدين جدد، ولا غرباء الوجوه، بل هم جزء أصيل من تراب هذا الوطن، يجب أن ينالوا حقوقهم كاملة من سكن وزراعة الأرض وكل حقوق الإنسان. لا توجد فوارق إجتماعية البتة بين النازحين والمقيمين الجدد، بل هنالك عوامل وظروف أجبرتهم لترك ديارهم، وحتما سيعودن إليها مع زوال المسببات.
الظروف الطبيعة في إقليم جنوب كردفان / جبال النوبة في عمومها محفزة جدا للإنتاج الزراعي بكل أنواعه، وما تزخر به من إمكانيات هائلة من أرض بكر ومعدل ممتاز جدا للأمطار، علاوة على طبيعة الإنسان في المنطقة الذي يتخذ من الزراعة مهنة وحرفة تستمد من الموروث الثقافي الضارب في عمق التاريخ.
تعلمنا من تجار الحروب الطويلة أن المكوث في المعسكرات لفترات طويلة والركون إلى الغير في تلقي الإعانات يقتل في النفس همة المبادرة والعمل والإنتاج. مع مرور الوقت يصبح المجتمع كله إتكالي، يتوسل الطعام الشراب، العلاج والتعليم.
الزراعة هي المخرج الوحيد الذي يخرج المجتمع من ضيق العيش والفقر والمسغبة، إلى رحاب الإنتاج والشبع والغنى كذلك. والزراعة هي من أكثر المهن التي يمتهنها أهل الجبال، فهي موروثة كابر عن كابر من قديم الزمان، ولهم بها معرفة ودراية تراكمية تحتاج فقط للتطوير والمواكبة في رحاب التكنولوجيا وعالم الذكاء الإصطناعي.







